وصل
هذه المراتب كلّها ـ على تفاوت درجاتها ـ متواصلة على نعت الاتّصال بدءا وعودا ، بحيث لا ثلمة في الوجود أصلا ، بناء على قاعدة الإمكان الأشرف ، فيتقوّم السافل بالعالي دائما ، فلا يوجد السافل إلّا وقد وجد العالي قبله ، هكذا جرت سنّة الله ، كما قال: (ما نُنَزِّلُ الْمَلائِكَةَ إِلَّا بِالْحَقِ) (١) ، فآخر كلّ مرتبة متّصل بأوّل المرتبة الّتي هي أسفل منه ، أو أعلى ، بل آخر كلّ درجة من درجات مرتبة واحدة متّصل بأول درجة أخرى أسفل منه أو أعلى ، وإلّا يلزم انحصار غير المتناهي بين حاصرين ، فآخر مراتب الألوهية متّصل بأول درجات العقل الأوّل ، وآخر درجات العقل الأوّل متّصل بأول درجات العقل الثاني ، وهكذا.
فليس شيء من العقول محدودا في حدّ غير منقسم فرضا ، بل كلّ منها ذو سعة في الرحمة الوجودية على درجات غير متناهية.
ومن العقول النازلة ما يقرب من النفوس ، ومن النفوس البشرية ما كاد يكون لبعض البهائم ، ومن النفوس الغير البشرية ما لا يحتاج إلى توسّط الروح البخاري ، من شدّة نقصه ، كالنفوس النباتية والجمادية ، ومن المعادن ما قرب من هيئة النبات ، كالمرجان ، ومن النبات ما قرب من الحيوان ، كالنخل ، ومن الحيوان ما قرب من الإنسان في كمال القوّة الناطقة وغيرها ، كالقرد وغيره ، ومن الإنسان ما كاد يكون عقلا.
فالطبقة العالية نازلها يقرب من الطبقة السافلة ، والطبقة السافلة عاليها في
__________________
(١) ـ سورة الحجر ، الآية ٨.