وأيضا لا يكون إذا بينهما ارتباط إلّا بمجرّد الإضافة ، والإضافة بين الشيئين لا توجب أن يكون أحدهما للآخر ، أو قائما به ، وسيأتي لهذا مزيد انكشاف عن قريب ، إن شاء الله.
وصل
ومن هذا يظهر أنّ الأجسام والجسمانيات كلّها من حيث وجوداتها الخارجية ضعيفة الوجود جدا ؛ وذلك لأنّها ـ كما يأتي ـ مركبة من مادّة هي قوّة وجوداتها ، وصورة هي فعليّتها ، بالتركيب الاتّحادي ، والمادّة أمر عدمي ؛ لأنها قوّة الوجود لا نفسه ، وهذا حظّها من الوجود ، والصورة ليس وجودها لنفسها ، وإلّا لاستقلّت بذاتها ، ولم تقم بالمادّة ، فهي إذن وجودها للمادّة ، وقيامها بها على نحو من الاتحاد ، والقائم بما يشبه المعدوم المتّحد معه لا محالة يكون شبيها بالعدم قريبا منه.
فالأجسام ليست إلّا كظلال للموجودات القائمة بذواتها الّتي في عالم الغيب المبرهن عليه فيما بعد ، ولهذا ترى كلا من أجزائها معدوما عن الآخر ، مفقودا عنه ، وليس له من الجمعية والتحصّل قدر يمكن أن يجمع بعضه بعضا ، وكذا ليس له من البقاء ما يجمع أوّله آخره ، فأوّله ينقطع عن آخره ، وآخره يفوت أوله ، بل كلّ بعض فرض منه فهو غائب عن بعض آخر ، وكذا حكم بعض البعض منه بالقياس إلى بعض بعضه الآخر ، فالكلّ غائب عن الكلّ ، مفقود عنه ، فهي (كَسَرابٍ بِقِيعَةٍ يَحْسَبُهُ الظَّمْآنُ ماءً حَتَّى إِذا جاءَهُ لَمْ يَجِدْهُ شَيْئاً) (١).
__________________
(١) ـ سورة النور ، الآية ٣٩.