من سبب ، لأن التقدير هو تقدير كونه محتاجا إلى السبب ، ثم يعود التقسيم الأول في سببه، والدور والتسلسل محالان ، فوجب الانتهاء (١) بالآخرة إلى وجود موجود غني عن السبب ، وذلك هو الموجود الواجب لذاته ، وهو المطلوب فظهر بهذا الكلام : أنا إذا فسرنا الواجب والممكن بهذا التفسير ، سقطت عنا تلك السؤالات ، وصار الكلام في غاية الاختصار ، وكان إيراد الحجة على هذا الوجه أولى. ولقائل أن يقول : إن المباحث العقلية ، لا تختلف باختلاف الألفاظ والعبارات.
فنقول : هب أنكم فسرتم الواجب لذاته بما يكون غنيا في وجوده عن السبب المنفصل، إلا أنه يقال : لم لا يجوز أن يقال : إن هذا الوجود الغني في وجوده عن السبب تكون ماهيته وحقيقته قابلة للعدم وللوجود قبولا على التساوي ، إلا أنه ترجح وجوده على عدمه ، لا لمرجح أصلا لا لذاته ولا لغيره؟ وأيضا : لم لا يجوز أن يقال : إن تلك الحقيقة ، وإن كانت قابلة للعدم إلا أن الوجود بها أولى ، فلأجل حصول هذه الأولوية يستغنى عن المؤثر المنفصل؟ فيثبت بما ذكرنا : أنه لا يمكن الجزم بوجود موجود لا تقبل حقيقته العدم البتة إلا بتقدير تلك المقدمات.
واعلم أن المباحث اللفظية لا تدفع الحقائق العقلية ، وإنما يكون تأثيرها في انتقال البحث من مقام إلى مقام آخر ، وذلك قليل الفائدة.
__________________
(١) لذاتها بالآخر (س).