الثاني : وهو أن يقال : إن تلك الأشياء مجردة عن الحصول في الحيز والجهة ، مبرأة عن أن تكون بحيث (يمكن أن (١)) يشار إليها بحسب الحس ، فنقول : إن هذا الشيء يمتنع أن تكون الحجمية حالة فيه ، وذلك لأن الحجمية واجبة (٢) الحصول في الحيز المعين وفي الجهة المعينة ، وذلك الشيء ممتنع الحصول في الحيز المعين ، والجهة المعينة ، وحلول الشيء الذي يجب حصوله في الحيز والجهة ، في الشيء الذي يمتنع حصوله في الحيز والجهة : معلوم الامتناع في بديهة العقل. فيثبت بما ذكرنا : أنه لو كانت الحجمية حالة في تلك الحقائق المخصوصة ، لكانت تلك الحقائق [المخصوصة] (٣) ، إما أن تكون حاصلة في الأحياز والجهات ، وإما أن لا تكون ، وثبت فساد كل واحد من هذين القسمين ، فيلزم القطع بأن القول بأن الحجمية تصير حالة في محل : قول فاسد ، ومذهب باطل.
وأما القسم الثاني : وهو أن يقال : الحجمية التي بها حصل الاشتراك : ذوات. والأحوال التي بها حصل الاختلاف : صفات. فهذا يفيد مقصودنا ، لأنه إذا كانت الحجمية هي الذات القائمة بالنفس ، وقد ثبت أن الأحجام والمقادير متشاركة في هذه الماهية ، فحينئذ تكون الذوات متساوية في تمام حقائقها ، وإذا كان كذلك ، امتنع كونها مستلزمة للصفات المختلفة والنعوت المتضادة ، لأن الأشياء المتساوية يمتنع أن يلزمها لوازم مختلفة. بل يجب أن يقال : كل صفة صح حصولها لجسم ، فإنه يصح حصولها في سائر الأجسام ، وكل صفة خلا عنها جسم ، فإنه يصح خلو سائر الأجسام عنها ، وإذا كان كذلك فجسم الفلك يصح أن تزول عنه الصفات التي باعتبارها صار الفلك فلكا ، وتحصل فيه الصفة الأرضية ، وجسم الأرض يصح أن تزول عنه الصفة التي باعتبارها كان أرضا ، وتحصل فيه الصفة الفلكية ، وذلك هو المطلوب.
وأما القسم الثالث : وهو أن يقال : كل واحد من هذين الاعتبارين مباين عن الآخر ، لا صفة له ولا موصوف به ، فنقول : هذا باطل ، وبتقدير
__________________
(١) من (س).
(٢) وجب لها (ز).
(٣) من (س).