قوله : «لو كان غنيا عنها لكان قائما بنفسه ، ولم يكن صفة لتلك الماهية» قلنا : ألستم تقولون : إن الصورة علة لوجود المادة (١) ، مع أن الصورة حالة في المادة ، وما يكون علة لوجود الشيء ، يكون غنيا عن ذلك المعلول في وجوده ، فالصورة غنية في وجودها عن المادة، مع أن الصورة حالة في المادة؟ فلم لا يجوز أن يقال : إن ذلك الوجود غني عن تلك الماهية ، ومع كونه غنيا عنها ، فإنه يكون حالا فيها؟ وتقرير الكلام من وجهين :
الأول : أن يقال : الوجود وإن كان غنيا في نفسه عن تلك الماهية ، إلا أنه علة لكونه حالا في تلك الماهية ، وعلى هذا التقدير فالوجود مع كونه غنيا عن تلك الماهية ، يكون حالا فيها. أو يقال : تلك الماهية توجب كون [ذلك] (٢) الوجود حالا في تلك الماهية ، فهذان الاحتمالان قائمان ، وكل واحد منهما لا يقدح في كون الوجود حالا في الماهية مع كون الوجود غنيا عن الماهية. وبهذين الطريقين جوزنا كون الصورة علة لوجود المادة، مع كون الصورة حالة في المادة. هاهنا.
الوجه الثاني في الجواب : سلمنا أن بتقدير أنه يجب حصول ذلك الوجود [في تلك الماهية ، فإنه يلزم كون الوجود] (٣) مفتقرا إلى تلك الماهية ، ويلزم من كون الوجود مفتقرا إلى الماهية كون الوجود ممكنا ، إلا أنا نقول : هاهنا دليل يمنع كون الوجود موصوفا بالإمكان. وتقريره : وهو أن ممكن الوجود هو الذي لا يمتنع كون حقيقته حاصلة مع الوجود تارة ، ومع العدم أخرى. وهذا المعنى لا يعقل في حق الوجود ، لأنا لو قلنا : إن ماهية الوجود تارة تحصل مع الوجود ، وأخرى مع العدم ، لزم كون الوجود على أحد التقديرين موصوفا بوجود آخر ، وعلى التقدير الثاني يكون موصوفا بالعدم. وكل ذلك [محال] (٤) أما الأول فلأنه يلزم اجتماع الوجودين للشيء الواحد. وأيضا : فلا يكن أحدهما
__________________
(١) الماهية (س).
(٢) من (س).
(٣) من (ز).
(٤) من (س).