أن يقال : إن كونه مثلثا ينفك عن الموجود وعن المعدوم ، فهذا محال لأن الشيء إما أن يكون له حصول في الأعيان ، وإما أن لا يكون له حصول في الأعيان ، وكونه خاليا عنهما أمر محال في العقل. فالحاصل : أن كونه مثلثا مغاير لكونه موجودا أو معدوما ، ولكنه يمتنع أن ينفك عنهما معا. وإذا عرفت هذا فنقول : إذا فرضنا أن حقيقة من الحقائق ، وماهية من الماهيات كانت علة لوجود نفسها ، فعلة الوجود هي تلك الماهية من حيث هي هي لا كونها موجودة ولا كونها معدومة ، وحينئذ يصدق أن يقال : مبدأ ذلك الوجود لا موجود ولا معدوم ، ويصدق أيضا أن يقال : المبدأ موجود وهو أحق الموجودات بكونه موجودا.
أما الأول : فإنما يصدق لما بينا أن مبدأ ذلك الوجود هو تلك الماهية ، وبينا أن تلك الماهية من حيث هي هي لا موجودة ولا معدومة. وأما الثاني : فإنما يصدق لأن تلك الماهية لما كانت علة لذلك الموجود لعينها ولذاتها ، فحينئذ يمتنع عقلا خلو تلك الماهية عن الوجود ، فكانت لا محالة موجودة ، وكانت أحق الموجودات بصفة الوجود.
إذا عرفت هذا فنقول : عقل من بعض الناس أنهم قالوا : المبدأ الأول لا موجود ولا معدوم ، بل هو هو فقط ، وأنه هوية لا يمكن التعبير عنها بالوجود والعدم.
وأما الجمهور فإنهم اتفقوا على أن المبدأ الأول موجود ، بل هو أحق الموجودات بصفة الموجودية ، وطالت المنازعات بين الفريقين في هذا الباب ، وإذا تأملت في الكلام الذي بحثناه وشرحناه علمت أن النزاع واقع في اللفظ المحض [وبالله التوفيق] (١).
__________________
(١) من (ز).