سواء كان ذلك حال الحدوث ، أو حال البقاء. وكما أنه محتاج إليه في جانب الوجود ففي جانب العدم أيضا كذلك لما ثبت أن الممكن ليس معدوما لذاته ، بل علة العدم عدم العلة فثبت بما ذكرنا : أن الحق سبحانه وتعالى أشرف من غيره بحسب هذه الاعتبارات.
والخامس : هو أن الوجود أشرف من العدم ، والواجب لذاته لا يقبل العدم البتة فهو موجود لذاته ، وبوجوده يحصل (١) الوجود لكل موجود ، بل وجوده كالمنافي للعدم ، وأما كل ما سواه فإنه ممكن لذاته ، والممكن لذاته إذا نظر إليه من حيث هو هو ، وجد غير موجود ، وكل ما سواه فإنه إذا اعتبر من حيث هو هو ، لم يكن موجودا. وهو سبحانه إذا اعتبر من حيث هو هو ، فهو الموجود.
فلهذا المعنى قلنا : إنه حق ، وما سواه باطل ، بل الحق أنه لا يليق لفظ الحق إلا له ، ولا يليق وصف الاعتقاد بأنه حق ، إلا باعتقاد وجوده (٢). وأن كل ما سواه فهو الفناء المحض ، والهلاك المحض ، كما قال في الكتاب (الإلهي) (٣) : (كل شيء هالك إلا وجهه) (٤) فثبت بهذه الاعتبارات أنه تعالى أشرف الموجودات وأكملها (٥) ، بل إنه تعالى أشرف وأكمل من أن يقاس هو إلى غيره ، فإنه أشرف وأكمل منه. فكلما كان المعلوم أشرف ، كان العلم به أشرف [ولما كان أن أشرف] (٦) المعلومات.
الوجه الثاني في بيان شرف هذا العلم ، وشدة الحاجة إليه وكمال الانتفاع به :
أشرف العلوم بحسب هذا الوجه هو العلم الإلهي ، وذلك لأن الأمر المقصود بالذات هو الفوز بالسعادة والخلاص من الشقاوة. والسعادات إما جسمانية وإما روحانية وقد دلت الدلائل الفلسفية والمعالم الحقيقة على أن
__________________
(١) يحتمل (س).
(٢) باعتقاده (س).
(٣) من (س).
(٤) آخر سورة العنكبوت.
(٥) وأكمل من أن يقاس هو إلى غيره ، فإنه أشرف وأكمل منه إذا ثبت ... الخ (س).
(٦) من (س).