يوجب السعادة الأبدية والسيادة السرمدية. فوجب أن يكون هذا العلم رأس جميع العلوم ورئيسها ، وأشرف أقسامها وأجلها.
والوجه الثالث في بيان شرف هذا العلم :
إن الانسان الكامل يجد من نفسه أنه كلما كان استغراق (١) روحه في هذه المعارف أكمل ، وكان خوضه فيها أعظم ، وانجذابه إليها أتم ، وانقطاعه عما سواها أوفى ، كان ابتهاجه بذاته أفضل ، وقوة روحه أكمل ، وفرحه بذاته أوفى. وكلما كان الأمر بالعكس كانت الأحوال الروحانية والآثار النفسانية (بالعكس) (٢) مما ذكرناه. وكل ذلك يدل على أن كل السعادات مربوطة بهذه العلة وكل الكمالات والخيرات طالعة من هذا الافق. كما قال في الكتاب الإلهي : (أَلا بِذِكْرِ اللهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ) (٣).
والوجه الرابع :
إن المصالح المعتبرة إما مصالح المعاش ، أو مصالح المعاد أما مصالح المعاش فلا تنتظم إلا بمعرفة المبدأ والمعاد وذلك لأنه لو لا استقرار الشرائع الحقة لزال النظام ، واختلت المصالح وحصل الهرج ولم يأمن أحد على روحه ومحبوبه ، وأما مصالح المعاد فلا يتم شيء منها إلا بمعرفة الله تعالى وبمعرفة ملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر ، وذلك لا يحصل إلا بهذا العلم.
فظهر بهذه المباحث التي قررناها : أن مبدأ الخيرات ومطلع السعادات ، ومنبع الكرامات ، هو هذا العلم. فمن أحاط به على ما ينبغي كان في آخر مراتب الإنسانية ، وأول مراتب الملكية.
__________________
(١) استغراقه في هذه المعارف (س).
(٢) من (ز).
(٣) الرعد ٢٨.