بذلك الشيء ، ولذلك فإنه يقول : أدركت هذا الشيء وعرفته ، إلا أن علمه بكونه عالما بذلك الشيء ، مسبوق بعلمه بذاته المخصوصة (لأن من لا يعلم ذاته ، كيف يمكنه أن يحكم عليها بكونها عالمة بذلك المعلوم) (١)؟ وكذلك فإنهم قالوا : كل تصديق فإنه مسبوق بتصور ، ومن الظاهر أن الشرط سابق (٢) بالرتبة على المشروط وهذا يدل على أن علم كل أحد بأي معلوم كان ، مشروط بعلمه بذاته المخصوصة (ومسبوق بعلمه بذاته المخصوصة) (٣) فيثبت أن علم كل أحد بذاته سابق على علمه بكل ما يغاير ذاته ، سواء كان ذلك العلم من البديهيات الجليات ، أو من الكسبيات ، والسابق على جملة الجليات (٤) أولى بكونه جليا بديهيا. فثبت بهذا البرهان : أن علم كل أحد بذاته المخصوصة ، أجلى العلوم وأجلها وأظهرها وأقواها.
المقدمة الثانية في تقرير أن علم كل أحد بذاته المخصوصة علم في غاية الصعوبة والخفاء : والذي يدل عليه أن المشار إليه لكل أحد بقوله : أنا إما أن يكون هو هذا الهيكل المشاهد ، أو يكون جسما من الأجسام الموجودة داخل هذا الهيكل ، أو يكون صفة من صفات هذا الهيكل ، أو يكون جوهرا مجردا عن هذا البدن وعن علائقه. وهذه الأقسام الأربعة قد حارت عقول العقلاء فيها ، ودارت رءوسهم في تعيينها ، ومن تأمل في مباحث كلام النفس يجد أن هذه المسألة قد بلغت في الصعوبة إلى الغاية القصوى. فثبت أن هذا العلم صعب غامض.
المقدمة الثالثة : إنا قد بينا أن أظهر المعلومات هو علم كل أحد بذاته المخصوصة ونفسه (المعينة) (٥) وبينا أنه مع كونها أظهر المعلومات ، فقد بلغ العلم بها إلى الغاية (القصوى) (٦). في الصعوبة والخفاء والغموض. وإذا ثبت
__________________
(١) من (ز).
(٢) يتقدم (س).
(٣) من (ز).
(٤) البديهيات (س).
(٥) من (ز).
(٦) من (س).