وأنه يبقى بذاته إلى وقت طريان المزيل المعدم ، فعلمنا أن ذلك الجزم لا يحصل إلا عند حصول الحدوث ، أو عند تخيل معنى الحدوث ، وأما الإمكان إذا عرى عن خيال (١) الحدوث فإن صريح العقل لا يحكم بكونه سببا لاحتياجه إلى الغير.
السؤال الثاني على أصل الكلام : أن نقول : لا نسلم أن العقلاء يجزمون بافتقار الممكن إلى المرجح ، والذي يدل عليه وجوه :
الأول : إن القائلين (٢) بحدوث العالم أكثر عددا من القائلين بقدمه ، ثم إنهم مع كثرتهم يلتزمون أنه تعالى صار فاعلا للعالم بعد أن لم يكن فاعلا له ، ثم اتفقوا على أن تجدد هذه الفاعلية ليس بسبب ، فهؤلاء قد اتفقوا على حصول معنى الحدوث والتجدد في هذه الصورة لا لسبب ، ولو كان امتناع ذلك معلوما بالضرورة لامتنع إطباق العقلاء عليه.
الثاني : إنهم يقولون : الهارب من السبع إذا عن له طريقان متساويان من كل الوجوه فإنه يختار أحدهما دون الثاني ، لا لمرجح ، [وكذلك من خير بين الشرب من قدحين من الماء متساويين ، فإنه يختار أحدهما دون الثاني لا لمرجح] (٣) وفي أمثلة هذا الباب كثرة مشهورة. فههنا اتفق الأكثرون على أنه يحصل الرجحان لا لمرجح ، ولو كانت هذه المقدمة معلومة الامتناع بالبديهية ، لما ذهب إلى القول بصحتها طائفة عظيمة من العقلاء.
الثالث : إن طائفة عظيمة من المتكلمين ذهبوا إلى أن الذوات متساوية في كونها ذوات [قالوا] (٤) ويدل عليه وجهان :
الأول : إن الذات يمكن تقسيمها إلى الواجب والممكن والمجرد والمادي ، فمورد التقسيم مشترك بين الأقسام.
__________________
(١) حال (س).
(٢) القائل (س).
(٣) من (س).
(٤) من (ز).