محل هذا الرجحان هو أن تلك الذات حال صيرورتها موجودة : لزم كون هذا الرجحان سابقا على ذلك الرجحان من حيث أن المحل سابق على الحال. وذلك دور والدور باطل ، فثبت أنه ليس محل هذا الرجحان هو ذلك الممكن الذي هو الأثر ، فلا بد من شيء آخر يغايره ، ويكون محلا لهذا الرجحان ويكون بحيث يلزم من حصول الرجحان فيه حصول الوجود لهذا الأثر ، ولا نريد بالفاعل والمؤثر إلا الموجود الذي من شأنه وصفته ما ذكرناه. فثبت أن الممكن لا يمكن دخوله في الوجود إلا لأجل مؤثر منفصل وذلك هو المطلوب.
الحجة الثانية : لو كان رجحان أحد طرفي الممكن على الآخر غنيا عن المؤثر والمرجح [لامتنع توقف هذا الرجحان في موضع من المواضع على حصول المؤثر والمرجح] (١) وهذا الثاني باطل ، فذلك المقدم أيضا [باطل] (٢) أما بيان الملازمة فهو أنه لما كان ذلك الرجحان غنيا عن المؤثر امتنع افتقاره إلى المؤثر في شيء من المواضع أصلا ، لأن مقتضيات الحقائق والماهيات لا تتغير البتة ، فإذا كان رجحان أحد طرفي الممكن على الآخر غنيا عن المؤثر من حيث هو هو كان هذا الاستغناء حاصلا في جميع الصور والغني لذاته عن الشيء يمتنع أن يكون محتاجا إليه ، وأما بيان أن رجحان أحد طرفي الممكن على الآخر قد يتوقف على حصول المؤثر ، فلأن العلم البديهي حاصل بأن [حصول (٣) الكتابة في هذا الكاغد تتوقف على حصول الكاتب ، وعلى حصول كل ما لا بد منه في كونه كاتبا ، وكذا القول في القطع والضرب والكسر وأمثالها من الأفعال.
الحجة الرابعة : وهي إنما تتم على قول القائلين بقدم المدة ، وتقريره أن نقول : القول بقدم المدة لازم ، ومتى كان كذلك وجب افتقارها في وجودها إلى المؤثر ، أما بيان أنه لا بد من القول بقدم المدة ، فهو أن كل جزء من أجزاء المدة حادث ، وكل حادث فقدمه سابق على وجوده ، وذلك السبق أمر زائد على
__________________
(١) من (س).
(٢) من (س).
(٣) من (س).