عن الرسول المعظم. فعلمنا : أنه ما كانت دعوته البتة ، إلى هذا الدين الخبيث ، وإنما كانت دعوته إلى التوحيد والتنزيه (١).
ثم إن تلك الدعوة ما ظهرت البتة ، بل بقيت مطوية غير مروية. فثبت أنه لم يظهر لدعوته إلى الحق أثر البتة.
وأما دعوة محمد عليهالسلام إلى التوحيد والتنزيه ، فقد وصلت إلى أكثر بلاد المعمورة ، والناس قبل مجيئه كانوا على الأديان الباطلة. فعبدة الأصنام كانوا مشتغلين بعبادة الحجر والخشب. واليهود كانوا في دين [التشبيه ، وصنعة التزوير ، وترويج الأكاذيب. والمجوس كانوا في عبادة الإلهين (٢)] ونكاح الأمهات والبنات. والنصارى كانوا في تثليث الأب ، والابن وروح القدس. والصابئة كانوا في عبادة الكواكب. فكأن أهل العالم معرضين عن الدين الحق ، والمذهب الصدق ، فلما أرسله الله تعالى إلى هذا العالم ، بطلت الأديان الباطلة ، وزالت المقالات الفاسدة ، وطلعت شموس التوحيد ، وأقمار التنزيه من قلب كل أحد ، وانتشرت تلك الأنوار في بلاد العالم. فثبت : أن تأثير دعوة محمد عليهالسلام في علاج القلوب المريضة والنفوس الظلمانية ، كان أتم وأكمل من تأثير دعوة سائر الأنبياء. فوجب القطع بأنه أفضل من جميع الأنبياء والرسل ، في كل ما يتعلق بالنبوة والرسالة. وهذا برهان ظاهر من باب برهان الله. فإنا بحثنا عن حقيقة النبوة والرسالة. ثم بينا : أن كمال تلك الماهية ، ما حصلت لأحد من الأنبياء ، كما حصل لمحمد عليه الصلاة والسلام.
__________________
في الفصل الرابع بعد المائة من إنجيل برنابا وما بعده : «قال متى : يا معلم إنك لقد اعترفت أمام اليهودية كلها بأن ليس لله من شبه كالبشر. وقلت الآن : إن الإنسان ينال من يد الله. فإذا كان لله يدان ، فله إذن : شبه بالبشر؟ أجاب يسوع : إنك لفي ضلال يا متى. ولقد ضل الكثيرون هكذا ، إذ لم يفقهوا معنى الكلام ، لأنه لا يجب على الإنسان أن يلاحظ ظاهر الكلام ، بل معناه : أن الكلام البشري بمثابة ترجمان بيننا وبين الله. ألا تعلم أنه لما أراد الله أن يكلم آباءنا على جبل سيناء ، صرخ آباؤنا : كلمنا أنت يا موسى. ولا يكلمنا الله لئلا نموت؟ وما ذا قال الله على لسان أشعياء النبي : أليس كما بعدت السموات عن الأرض ، هكذا بعدت طرق الله عن طرق الناس ، وأفكار الله عن أفكار الناس؟ إن الله لا يدركه قياس ، إلى حد أني ارتجف من وصفه ... الخ».
سقط (ت).