الفصل الحادي عشر
في
الطعن في التواتر
قالوا : إنا ما (١) رأينا شيئا من هذه المعجزات. ولكننا سمعنا من جماعة أنهم قالوا : سمعنا من أقوام آخرين. وهكذا ، على هذا الترتيب إلى أن اتصل هذا الخبر بأقوام ، زعموا : أنهم شاهدوا هذه المعجزات. ونحن لا نسلم أن مثل هذا الخبر يفيد اليقين التام. والذي يدل عليه وجوه :
الشبهة الأولى : إن خبر التواتر حاصل في صور كثيرة ، مع أنكم تحكمون بكونها كذبا. وذلك يقدح في كون التواتر مفيدا للعلم.
__________________
(١) من نصوص التوراة : «فريضة أبدية» [خروج ١٢ : ١٤].
ومن نصوص التوراة : «بناموس أوصانا موسى ، ميراثا لجماعة يعقوب» [تثنية ٣٣ : ٤] «احفظ واسمع جميع هذه الكلمات التي أنا أوصيك بها ، لكي يكون لك ولأولادك من بعدك خير إلى الأبد ، إذا عملت الصالح والحق في عيني الرب إلهك» [تثنية ١٢ : ٢٨].
واعلم. أن لفظ «الأبد» في لغة التوراة. لا يعني زمانا بلا نهاية. وإنما يعني زمانا طويلا إلى مدة. وعلى سبيل المثال. فإن في التوراة أن الرجل إذا اشترى عبدا من جنس إسرائيل يعتقه في السنة السابعة من شرائه وكذلك الجارية فإن أبى العبد أو أبت الجارية «فخذ المخرز واجعله في أذنه وفي الباب ، فيكون لك عبدا مؤيدا» [تثنية ١٥ : ١٧] وهذا التأييد إلى سنة الخمسين ـ وتسمى سنة اليوبيل ـ فإنها إذا جاءت لا بد من الإعتاق ، وإن لم يرض العبد بالحرية ، وإن لم ترض الجارية بالحرية. فلا بد من الإعتاق. ونص التوراة هو : «وتقدسون السنة الخمسين وتنادون بالعتق في الأرض لجميع سكانها» [خروج ٢٥ : ١٠] ومن هذا نعلم أن لفظ الأبد محدد بمدة. ومعنى أن شريعة التوراة إلى الأبد ؛ أي إلى مجيء النبي المنتظر المشار إليه في الاصحاح الثامن عشر من سفر التثنية.