أما المقام الأول في بيان أن التواتر قد حصل في صور ، اتفق المسلمون بها على كونه باطلا ، فتقريره من وجوه :
الأول : إن اليهود على كثرتهم وتفرقهم في مشارق الأرض ومغاربها ، يخبرون عن موسى عليهالسلام أنه قال : إن شريعتي باقية وأنها لا تصير منسوخة البتة. وأنه ـ عليهالسلام ـ قال : «عليكم بالسبت ما دامت السموات والأرض (١)» فهذا الخبر إما أن يكون صدقا أو كذبا. فإن كان صدقا ، فقد بطلت شريعتكم ، وإن كان كذبا ، فقد صار هذا التواتر باطلا.
والثاني : إن اليهود ، مع كثرتهم وتفرقهم في مشارق الأرض ومغاربها ، يخبرون : أن التوراة التي معهم ، هي عين التوراة التي أنزلها الله على موسى. والمسلمون ينازعون فيه ، ويقولون : إن هذا الكتاب محرف ومبدل ، وأن الذي أنزله الله على موسى ، لم يبق في أيدي اليهود منه شيء البتة. وهذا أيضا طعن في التواتر (٢).
والثالث : إن اليهود والنصارى على كثرتهم وشدة عداوة بعضهم لبعض ، أطبقوا على صلب عيسى ـ عليهالسلام ـ وقتله. والمسلمون أطبقوا على تكذيبهم فيه. وهذا أيضا طعن في التواتر (٣).
__________________
(١) من نصوص التوراة : «فيحفظ بنو إسرائيل : السبت ، ليصنعوا السبت في أجيالهم عهدا أبديا. هو بيني وبين إسرائيل علامة إلى الأبد» [تثنية ٣١ : ١٦ ـ ١٧].
(٢) المسلمون لا يطعنون في تواتر التوراة المتداولة ، فهم يعرفون أنها من كتابة «عزرا» في مدينة «بابل» وتواترت من بعد عزرا. وإنما يستدلون من نصوص التوراة التي كتبها عزرا : على أن التوراة التي بيد اليهود والنصارى اليوم ـ وهي التي كتبها عزرا ـ كتب من بعد موت موسى بزمان طويل. وهذا يعني أن إضافات حصلت لم يشهدها موسى. ويستدلون من مقارنة التوراة السامرية بالعبرانية : أن الاختلاف اللفظي والمعنوي حاصل فيهما. ولو كانت التوراة المتداولة هي الأصلية لكانت واحدة مع جميع فرق اليهود ، ولكانت خالية من الاختلافات. ففي آخر سفر التثنية : «فمات هناك موسى عبد الرب في أرض موآب ، ودفنه في الجواء في أرض موآب ، مقابل بين فغور ، ولم يعرف إنسان قبره إلى هذا اليوم» وفي التوراة السامرية في الوصايا العشر : تقديس جبل جرزيم ، وليس من إشارة إلى تقديسه في التوراة العبرانية.
(٣) لم يحدث الإطباق. فإن الكتب النصرانية القديمة جاء في بعضها : أن المسيح لم يقتل ولم يصلب ، وهذا يبطل التواتر [اقرأ : إنجيل برنابا. واقرأ ما كتبه جرجي زيدان والمستشرق سيل ، في هذا الموضوع].