الفصل الرابع
في
بيان أن محمدا عليه الصلاة
والسلام أفضل من جميع الأنبياء والرسل
أعلم (١) أنا بينا : أن الرسول هو الذي يعالج الأرواح البشرية ، وينقلها من الاشتغال بغير الله تعالى ، إلى الاشتغال بعبادة الله تعالى. ولما كان المراد من الرسالة والنبوة : هو هذا المعنى ، فكل من كان صدور هذه الفوائد عنه أكثر وأكمل ، وجب القطع بأن رسالته أعظم وأكمل. وإذا عرفت هذا ، فنقول : إن تأثير دعوة موسى عليهالسلام كانت مقصورة على بني إسرائيل فقط (٢) وأما دعوة عيسى عليهالسلام فكأنه لم يظهر لها تأثير إلا في القليل القليل ، وذلك لأنا نقطع بأنه عليهالسلام ما دعا إلى الدين الذي يقول به هؤلاء النصارى ، لأن القول بالأب ، والابن [وروح القدس : قول بالتثليث (٣)] والتثليث : أقبح أنواع الكفر ، وأفحش أقسام الجهل ، ومثل هذا لا يليق بأجهل الناس ، فضلا
__________________
(١) في (ت) : الفصل الرابع عشر.
(٢) علماء المسلمين اختلفوا في دعوة موسى عليهالسلام. فبعضهم قال : كانت عالمية بدليل أن فرعون وقومه دعاهم موسى إلى الإيمان ، وبدليل أن ملكة سبأ أسلمت مع سليمان ـ وقد كان سليمان على شريعة موسى ـ وبأدلة أخرى. وبعضهم قال : كانت خاصة وذكر الإمام النسفي في أول سورة آل عمران أن كلمة «الناس» قد تفيد العموم وقد تفيد الخصوص. وسواء كانت دعوة موسى عامة أو خاصة ـ ولقد كانت عامة ـ فإن المسلمين لا يهتمون بهذا ، وإنما يهتمون بإثبات أن القرآن قد نسخ التوراة ـ لأن إثبات النسخ هو القضية الحاضرة. أما الخصوص أو العموم لموسى ، فإن زمانه قد مضى.
(٣) زيادة.