الفصل الثاني
في
أن القرآن العظيم يدل
على أن هذا الطريق هو الطريق
الأكمل الأفضل في اثبات النبوة
[أعلم أنا سنذكر سورا من القرآن ونفسرها ، ليظهر من ذلك التفسير : صحة هذا الطريق الذي ذكرناه. فمنها : سورة (سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى) (١) فنقول قد علمت أن الأصل هو الإلهيات ، والفرع هو النبوات. فلا جرم جرت العادة في القرآن أنه يقع الابتداء بتقرير الإلهيات ، ثم يقع (٢) الشروع في تقرير النبوات بعدها. ففي هذه السورة بدأ بالإلهيات ، فقال : (سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى) ومعناه : أنه أعلى من مناسبة جميع الممكنات. ومشابهة كل المحدثات (٣) لأنها مركبة من المادة والصورة باعتبار ، ومن الجنس والفصل باعتبار ثاني ، ومن قبول التغير والفناء ، إما في الذات ، وإما في الصفات [وهو سبحانه أعلى من كل هذه الأشياء في كل هذه الصفات (٤)] وفيه لطيفة أخرى لا يمكن ذكرها.
واعلم أن أكثر الدلائل المذكورة في القرآن على إثبات الإله تعالى ، محصورة في قاعدة واحدة ، وهي حدوث الصفات ، وهي إما في الحيوانات ، وإما في النبات. والحيوان كذلك له بدن ونفس. فقوله : (خَلَقَ فَسَوَّى) إشارة إلى ما في أبدانها من العجائب. وقوله : (وَالَّذِي قَدَّرَ فَهَدى) إشارة
__________________
(١) أول سورة الأعلى.
(٢) إلى هنا : في (ت) في الفصل الثاني في أن القرآن العظيم يدل ... الخ.
(٣) من هنا مذكور في (ت) في فصل تقرير طريقة الفلاسفة.
(٤) من (ل).