إلى ما في نفوسها من الغرائب. فنبه بهذين الضابطين على ما لا نهاية له من العجائب والغرائب ، ثم أتبعه بذكر الدلائل المأخوذة من النبات ، وهو قوله : (وَالَّذِي أَخْرَجَ الْمَرْعى ، فَجَعَلَهُ غُثاءً أَحْوى).
ولما قرر أمر الإلهيات ، أتبعه بتقرير أمر النبوات. وقد علمت أن كمال حال الأنبياء عليهمالسلام. في حصول أمور أربعة : أولها : كمال القوة النظرية (١) وثانيها : كمال القوة العملية. وثالثها : قدرته على تكميل القوة النظرية لغيره. [ورابعها : قدرته على تكميل القوة العملية التي لغيره (٢)] ولا شك أن كمال حاله في القوتين [مقدم على قدرته على تكميل غيره في هاتين القوتين (٣)] ولا شك أن القوة النظرية أشرف من القوة العملية. فهذا البيان يقتضي أن يقع الابتداء أولا بشرح قوته النظرية. وثانيا بشرح قوته العملية. وثالثا : بكيفية حاله في القدرة على تكميل القوة النظرية التي للناقصين ورابعها : كيفية حالة في القدرة على تكميل القوة العملية التي للناقصين (٤)] فإذا ظهر كماله في هذه المقامات الأربعة ، فحينئذ يظهر أنه بلغ في صفة النبوة والرسالة إلى الغاية القصوى.
إذا عرفت هذا فنقول : إنه تعالى لما ذكر أصول الإلهيات ، وأراد الشروع في صفات النبوة ، بدأ أولا بكمال حاله في القوة النظرية ، فقال : (سَنُقْرِئُكَ فَلا تَنْسى) يعني : أن نفسك نفس قدسية آمنة من الغلط والنسيان (إِلَّا ما شاءَ اللهُ) أن يحصل بمقتضى الجبلة الإنسانية ، والطينة البشرية. ثم أتبعه ببيان كمال حاله في القوة العملية فقال : (وَنُيَسِّرُكَ لِلْيُسْرى) ومعناه : أنا نقوي دواعيك في الأعمال التي تفيد اليسر والسعادة في الدنيا والآخرة. ثم لما بين كمال حاله في هذين المقامين ، أتبعه بأن أمره بأن يشتغل بتكميل الناقصين ، وإرشاد المحتاجين ، فقال : (فَذَكِّرْ إِنْ نَفَعَتِ الذِّكْرى) فقوله : (فَذَكِّرْ) أمر له بإرشاد الناقصين ، وقوله : (إِنْ نَفَعَتِ الذِّكْرى) [تنبيه على
__________________
(١) العلمية (ت).
(٢) سقط (ت).
(٣) سقط (ت).
(٤) من (ل).