والأول باطل من وجهين :
أحدهما : إن من المعلوم بالضرورة : أن العاقل لا يسعى في تحصيل الجهل لنفسه.
والثاني : [إنه متى علم كونه جهلا ، فإنه مع هذا العلم ، يمتنع أن يصير جاهلا بذلك الشيء. فيثبت : أن هذا القسم فاسد. وأن الحق هو القسم الثاني ، وهو أن العبد إنما رغب في تحصيل ذلك الاعتقاد (١)] لنفسه ، لأنه اعتقد أن ذلك الاعتقاد : علم. فعلى هذا إنما رغب في تحصيل هذا الاعتقاد لأجل الجهل السابق. فنعيد التقسيم في ذلك الجهل السابق. فإن كان ذلك لأجل آخر يتقدمه ، لزم منه التسلسل ، وهو محال. فثبت : أن هذه الجهالات تترقى عند التصاعد إلى جهل أول ، وقع في القلب [ومعلوم أن العبد لم يقصد إيقاعه ، فوجب أن يكون وقوعه في القلب (٢)] لأجل أن الله تعالى خلقه فيه. فثبت : أن خالق كل الجهالات في القلوب هو الله تعالى. وإذا ثبت هذا ، فبأن يجوز كونه فاعلا لما يوهم الجهل ، كان أولى.
الشبهة الثالثة : لا شك أن أنواعا كثيرة من الجهالات حاصلة للعبد. فهذه الجهالات. إما أن يقال : إنها حصلت على وفق إرادة الله تعالى [أو على خلاف إرادته (٣)] فإن كان الأول ، كان تعالى مريدا للجهل. وعلى هذا التقدير ، فإنه لا يمتنع منه تصديق الكاذب ، سعيا في إلقاء الجهل في القلوب. وإن كان الثاني ، لزم منه كونه ضعيفا عاجزا مغلوبا. وكل من كان كذلك ، لم يمتنع منه الكذب. فثبت : أن على كلا التقديرين ، لم يكن تصديق الكاذب : محالا من الله تعالى.
الشبهة الرابعة : مدار كلام القائلين بأن تصديق الكاذب محال على الله.
__________________
(١) من (ل) ، (طا).
(٢) من (ل) ، (طا).
(٣) إرادة الله تعالى (طا).