والتاسع : إن جماعة الصوفية (١) من المسلمين ، ومن النصارى على كثرتهم ، وتفرقهم في مشارق الأرض ومغاربها ، ينقلون ظهور الكرامات العظيمة على سلفهم وشيوخهم وأكثر المتكلمين. ولا سيما المعتزلة (٢) مصرون على تكذيبهم فيه.
والعاشر : إنك لا ترى فرقة من فرق الدنيا ، ولا طائفة من طوائف أهل العالم إلا وهم ينقلون عن شيوخهم وسلفهم (٣)] أنواعا من الفضائل والمناقب ، والكرامات. مع أن مخالفيهم ينكرونها بأسرها ، وينقلون عنهم أنواع المثالب والمعايب والفضائح والقبائح. وكل واحد من الخصمين يدعي ظهور تلك الروايات وبلوغها مبلغ التواتر ، وذلك يوجب وقوع التعارض والتدافع في الأخبار المتواترة.
واعلم أن المتكلمين أجابوا عن ادعاء اليهود : حصول التواتر في أن موسى عليهالسلام قال: «إن شريعتي لا تصير منسوخة» بأن قالوا : إن «بخت نصر» قتلهم بالكلية ، ولم يبق منهم إلا عدد قليل ، يمكن إطباقهم على الكذب. وإذا كان الأمر كذلك ، فقد خرجت روايتهم عن حد التواتر (٤).
__________________
(١) ما أساء إلى الإسلام إلا المتصوفة. ويجب على العلماء تأليف الكتب الكثيرة في نقد التصوف. وذمه ، والتبرؤ ممن يدين بالتصوف من المسلمين. ويجب عليهم هدم القباب والأضرحة وتطهير مساجد الله من البدع والخرافات. وإقناع العوالم من المسلمين بأن الأولياء أحياء أو أمواتا لا يملكون لأنفسهم ولا لغيرهم نفعا ولا ضرا.
(٢) لو لم يكن للمعتزلة من فضل إلا ذم المتصوفة ، لكان هذا الفضل كاف في الحكم عليهم بأنهم من المصطفين الأخيار.
(٣) من (ل) ، (ط).
(٤) الإجابة الصحيحة على أن موسى لم يقل : شريعتي لا تصير منسوخة : أن في التوراة نبوءات أخبر بها موسى عن مجيء نبي من بعده ناسخ لشريعته. ومنها في الأصحاح الثامن عشر من سفر التثنية : «يقيم لك الرب إلهك نبيا من وسطك من إخوتك مثلى له تسعون ... الخ فقوله : «له تسمعون» يدل على أن بني إسرائيل مكلفون بسماع كلام النبي المنتظر ، حتى ولو أمرهم بترك شريعة موسى. ويدعي النصارى : أن المشار إليه بهذه النبوءة هو عيسى عليهالسلام. والنص لا يشير إليه لأنه من بني إسرائيل وقوله : «من إخوتك» تعني جنسا غير بني إسرائيل. ويقول المسلمون : إنه محمد صلىاللهعليهوسلم لأن التوراة نصت على بركة لآل إسماعيل [تكوين ١٧ : ٢٠] والبركة تعني : الملك والنبوة وإسماعيل أخ لإسحاق عليهماالسلام.