الثالث : إن وقائع ملوك العجم على عظمتهم ، بقيت مندرسة غير مذكورة ، والوقائع التي وقعت في زمان عاد وثمود اندرست ، وبعض وقائع نوح عليهالسلام وغيره قد بقي. فيثبت : أن الوقائع العظيمة قد تصير مندرسة ، وقد تصير باقية ، وأنه لا يجوز الجزم بأحد الحكمين [قطعا (١)].
وأما قوله : إن الله تعالى ألقى شبه عيسى عليهالسلام على شخص آخر ، فنقول : فهذا من أعظم القوادح في التواتر. لأنكم لما جوزتم هذا المعنى. فلعل الشخص الذي يعتقد فيه أن محمد ما كان محمدا ، بل كان شخصا آخر ، ألقى الله تعالى عليه صورته ومشابهته ، وكذلك القول في جميع أحوال الخلق. وذلك يوجب السفسطة.
وأما قوله : «زردشت» (٢) كان قائلا بإثبات الإلهين فيمتنع ظهور المعجزات عليه. فنقول : هذا الكلام يقوي ما ذكرناه من السؤال ، وذلك لأن «إيران شهر» الذي هو واسطة ممالك العالم ، وأشرف بقاع الدنيا. كلهم كانوا على دين «زردشت» قريبا من ألف ومائتي سنة. وكلهم كانوا ينقلون عنه المعجزات الظاهرة القاهرة. ثم إنكم أقمتم دليلا قطعيا على أنهم كانوا كاذبين في تلك الروايات. فإنكم قلتم : إنه كان كافرا. والكافر يمتنع ظهور المعجزات على يده ، فصار هذا برهانا جليا في أن تلك الأخبار المتواترة كانت كاذبة باطلة. ونحن ما سعينا إلا لبيان أن خبر التواتر [قد يكون باطلا فاسدا. وعلى هذا التقدير ، فالاعتماد على مجرد خبر التواتر (٣)] لا يفيد العلم واليقين.
فهذا تقرير هذه الشبهة من هذا الوجه.
وهاهنا وجوه كثيرة ، سوى ما ذكرناه في ضعف التواتر (٤) ذكرناها في كتاب
__________________
(١) من (ط).
(٢) أردشير (ت).
(٣) من (ل) ، (طا).
(٤) أنظر ما كتبه ابن حزم في ضعف التواتر في كتاب الفصل.