وبعد تأثير ما هو المتقدّم من حيث الرتبة لا تصل النوبة إلى ما هو المتأخّر عنه ، فيستند العمل الخارجي إلى إرادة العبد ، ولا دخل للبعث والتحريك في تحقّقه ، فيلزم أن يكون أمر المولى لغوا أو مستحيلا ، فإنّه في صورة عدم الإرادة لغو ، وفي صورة تحقّقها تحصيل للحاصل، وهو محال ، ولا يمكن الجمع بين الأمر وتعليقه بإرادة المكلّف ومشيّته عند العرف أيضا.
وبعد هذه المقدّمة يستفاد أنّه لقائل أن يقول : إنّ هذا البرهان لا يجري في كلام صاحب المعالم قدسسره ، فإنّه قائل بأنّ الوجوب الغيري للمقدّمة مشروط بإرادة ذي المقدّمة لا بإرادة نفس المقدّمة.
قلنا : إنّ إرادة ذي المقدّمة ملازم لإرادة المقدّمة ؛ لأنّ بعد تحقّق المقدّميّة والالتفات إليها لا يمكن التفكيك بين إرادتهما ، فكلّما تحقّقت إرادة ذي المقدّمة تتحقّق إرادة المقدّمة أيضا بالملازمة ، فإن قال المولى : «يجب عليك نصب السلّم إن أردت الكون على السطح» فهذا يرجع إلى أنّه يجب عليك نصب السلّم إن أردت نصب السلّم ، وهو تعليق الواجب على نفسه ، ولا شكّ في أنّه مستحيل. هذا محصّل كلام الشيخ قدسسره.
ولكن يمكن لصاحب المعالم أن يجيب بأنّه سلّمنا المقدّمة المذكورة بعنوان ضابطة كلّيّة ، وأنّه لا يمكن تعليق إيجاب الشيء بإرادة نفس هذا الشيء ، ولكن لا نسلّم رجوع تعليق وجوب المقدّمة بإرادة ذيها إلى هذه الضابطة ، وما ذكره بعنوان دليل الاستحالة فيما حكيناه عنه ـ أي استناد العمل إلى الإرادة بعد وقوعها شرطا بلحاظ تقدّم الشرط على الجزاء ، فلا مجال للبعث والأمر ـ لا يصحّ ولا يجري هاهنا ، فإنّ الإرادة المتعلّقة بالمقدّمة متأخّرة عن الإرادة المتعلّقة بذي المقدّمة دائما ، ولذا يعبّر في الكلمات بالترشّح والعلّيّة ، فتكون