محكومة بحكم الحرمة ، ولكن قد أثبتنا سابقا أنّها أمر غير اختياري ، ولا يتعلّق بها الحكم أصلا ولو كان غيريّا.
وأشكل عليه سيّدنا استاذنا السيّد قدسسره (١) بأنّ الإرادة لا تكون جزء أخيرا للعلّة في الأفعال الاختياريّة أيضا ، بل هي وقعت في مرحلة متقدّمة على المقدّمات المتعدّدة ، فتكون جميع الأفعال كالأفعال التوليديّة في ترتّب ذي المقدّمة على المقدّمة بلا فصل بينهما ، فإذا حرم الشرب الإرادي يتوقّف تحقّقه على الشرب والإرادة المتعلّقة به ، فمع إرادة الشرب يتحقّق جزء من الموضوع ، وجزؤه الآخر يتوقّف على أفعال اختياريّة مثل : أخذ إناء الماء وجعله محاذيا للفم ، ومنها : تحريك عضلات الحلقوم وقبضها حتّى يتحقّق البلع ، والجزء الأخير لتحقّق الشرب هو هذا الفعل الاختياري ، فتتعيّن الحرمة فيه بعد تحقّق سائر المقدّمات ، فلا بدّ من تعلّق الإرادة بذي المقدّمة أوّلا ثمّ ترشّحها وتعلّقها بالمقدّمات واحدة بعد اخرى ، فكيف تكون الإرادة الجزء الأخير للعلّة التامّة في الأفعال الاختياريّة؟!
ويمكن أن يقال : إنّ إيجاد المقدّمة الأخيرة ليس إلّا عن إرادة ، فثبت ما ذكره صاحب الكفاية قدسسره.
وجوابه : أوّلا : أنّا نبحث في الإرادة المتعلّقة بذي المقدّمة بأنّها تكون الجزء الأخير للعلّة أو متقدّمة على سائر المقدّمات ، ومتعلّق الجزء الأخير من العلّة عبارة عن إرادة مقدّمي.
وثانيا : أنّه لا بدّ في الأفعال التوليديّة ـ كالإلقاء في النار ـ أيضا من الإرادة المقدّمي ، فكما أنّ الجزء الأخير في الأفعال الاختياريّة يحتاج إلى الإرادة كذلك
__________________
(١) تهذيب الاصول ١ : ٢٨٢.