المسلّمة المتحقّقة في الفلسفة عبارة عن أنّ الواحد لا يصدر منه إلّا واحد ، ولذا يكون البحث بين الفلاسفة في الصادر الأوّل عن الواحد الحقيقي ، وهو عبارة عن وجود محمّد صلىاللهعليهوآله كما ورد في روايات معتبرة ، بخلاف قاعدة الواحد لا يصدر إلّا من واحد ؛ إذ الظاهر من الفلاسفة الالتزام بوجود العلّتين لمعلول واحد ، ولكن على فرض تماميّة هذه القاعدة وعموميّتها لما نحن فيه ، وأنّ القدر الجامع المشترك بين الشيئين يكون مؤثّرا في غرض واحد لا ضرورة تقتضي لرفع اليد عن التخيير الشرعي الذي يكون الظاهر من الأدلّة اللفظيّة ، مع أنّه لا طريق سوى الواجب التخييري لتبيين المولى ، ولا تتحقّق قرينة عقليّة توجب التصرّف في الظاهر والالتزام بالتخيير العقلي ، كالتصرّف في ظاهر الآية الشريفة : (وَجاءَ رَبُّكَ)(١) ، فهذا التفصيل ليس بصحيح ؛ إذ لا فرق في الواجبات التخييرية بين غرض واحد أو أغراض متعدّدة غير قابلة للاجتماع.
فنرجع إلى أصل مسألة الواجب التخييري ، وتتحقّق فيه شبهة الاستحالة ، وهناك أقوال متعدّدة في المسألة للتخلّص منها ، وهي : أنّ الوجوب والبعث الذي يعبّر عنه بالإرادة التشريعيّة يشترك مع الإرادة التكوينيّة في خصوصيّات الإرادة ، ولا فرق بينهما إلّا بالمباشرة والتسبيب ، ومعلوم أنّ الإرادة التكوينيّة ونظائرها من الصفات النفسانيّة كانت ذات إضافة كالعلم ـ مثلا ـ ويكون تشخّصها وتعيّنها بتعيّن طرف إضافتها ـ أي المراد والمعلوم ـ ومن البديهي أنّه لا يمكن تعلّق الإرادة التكوينيّة بشيء مبهم غير معيّن.
ويمكن أن يقال : إنّه لا فرق بين تعلّق الإرادة بأمر مبهم والعلم الإجمالي كالعلم بأنّ أحد هذين المائعين خمر مثلا.
__________________
(١) الفجر : ٢٢.