ولكنّ الدقّة فيه تقتضي خلاف ذلك ، فإنّ في العلم التفصيلي بخمريّة شيء يعلم أوّلا بأنّ الخمر هنا موجود بصورة كلّي ، وثانيا بأنّ ذلك الخمر الموجود هو هذا المائع. وأمّا في العلم الإجمالي فما يتعلّق به العلم لا إبهام فيه ، ولكنّ العلم محدود ، فإنّه يعلم بأنّ الخمر هنا موجود بصورة الكلّي ، إلّا أنّ تطبيق هذا الكلّي على أحد المائعين غير معلوم له ، فالمعلوم فيه أيضا مشخّص ، وأمّا في الإرادة التكوينيّة فلا يعقل أن يكون المراد مبهما ومردّدا ، ولا فرق في مثل هذه الموارد بين الإرادة التكوينيّة والتشريعيّة ، فالواجب التخييري يكون مستحيلا ، فإنّ معناه تحقّق الإرادة بدون تشخّص المراد.
وحلّ الشبهة والمختار في المسألة هو : أنّ الوجوب والبعث في الواجب التخييري يكون متعدّدا لا واحدا متعلّقا بالشيئين على نحو التخيير ، ولا فرق في التعدّد بينه وبين وجوب صلاة الظهر والعصر ، إلّا أنّ في أحدهما مصلحة مستقلّة لازمة الاستيفاء ، وتتحقّق بين المصلحتين كمال الملاءمة ، ويمكن اجتماعهما ، ولكنّه في الواجب التخييري نوع خاصّ من التعدّد كما في كفّارة الإفطار ـ مثلا ـ إذ تتحقّق مصلحة واحدة ، ويكون كلّ واحد من الخصال الثلاثة مؤثّرا في تحقّقها.
ويمكن أن يتحقّق في كلّ من الواجبين مصلحة مستقلّة لازمة الاستيفاء ، ولكن لا يمكن اجتماعهما بلحاظ التضادّ المتحقّق بينهما ، ويمكن أن تكون المصلحتان قابلتين للاجتماع ، ولكن كان لزوم استيفاء إحداهما متوقّفا على عدم استيفاء الاخرى ، فيكون البعث والإرادة التشريعيّة في جميع الأقسام متعدّدة ، فالمختار في المسألة هو القول في الواجب التخييري ، وهو أنّه نوع خاصّ من الوجوب بأنّ الواجب والوجوب متعدّد ، ولكن هذا التعدّد غير