كان مقيّدا بقيد أو موصوفا بوصف لا يمكن انطباقه في غير مورد الوصف والقيد ؛ إذ القيد يوجب محدوديّة المقيّد ، ولا يعقل أن يصدق عنوان الإنسان الأبيض على غير الأبيض ، وعنوان الرجل العالم على غير العالم ، والمأمور به فيما نحن فيه عبارة عن الطبيعة المقيّدة ـ أي الصلاة المقيّدة بالوقت ـ فلا يمكن انطباق هذا العنوان على الصلاة خارج الوقت ، والقضيّة المتيقّنة عبارة عن وجوب الصلاة المقيّدة بالوقت ، والقضيّة المشكوكة عبارة عن أنّ الصلاة في خارج الوقت هل تكون واجبة أم لا؟ ولا يتحقّق الاتّحاد بين القضيّتين بنظر العرف ، فلا مجال لجريان الاستصحاب هاهنا.
وأمّا دليل جريان الاستصحاب في مثل الماء الذي زال تغيّره من قبل نفسه فهو عبارة عن كون الحكم فيه حكما وضعيّا ، ومعلوم أنّه يتعلّق بالوجود الخارجي ، بخلاف الحكم التكليفي ؛ إذ الوجود الخارجي يكون ظرف سقوطه لا ثبوته ، ومتعلّق الحكم الوضعي في قوله تعالى : (أَحَلَّ اللهُ الْبَيْعَ)(١) هو البيع المحقّق في الخارج مع الشرائط المعتبرة الشرعيّة ، وهكذا الماء المتغيّر أحد أوصافه الثلاثة في الخارج نجس ، لا مفهومه ولا وجوده الذهني ، فلا بدّ من تحقّق الماء المتغيّر أوّلا ، ثمّ اتّصافه بالنجاسة ، ولذا يتحقّق الاتّحاد بين القضيّتين ؛ إذ الماء الموجود في الحوض بعد تغيّر أحد أوصافه الثلاثة صار نجسا ، وبعد زوال تغيّره من قبل نفسه يحكم العرف بأنّ هذا الماء كان بالأمس نجسا واليوم يكون مشكوك النجاسة ، فتستصحب نجاسته.
فيرجع الفرق بين المثالين إلى الفرق بين الحكم التكليفي والوضعي ، وهو أنّ الحكم التكليفي يتحقّق قبل وجود الطبيعة ويسقط به ، بخلاف الحكم الوضعي
__________________
(١) البقرة : ٢٧٥.