وهكذا فيما نحن فيه ، مع أنّ إطلاق عنوان التخصيص عليه مسامحة ، فإنّه ليس بمخصّص أصلا كما مرّ.
على أنّ أصالة العموم مصداق من مصاديق أصالة الظهور ، ولا ظهور للكلام في العموم في هذا الفرض حتّى يتمسّك به لرفع الترديد ، فالمرجع هنا أصالة البراءة.
وأمّا إذا كان الترديد بين الأقلّ والأكثر في المخصّص المنفصل كقول المولى اليوم : «أكرم العلماء» ـ مثلا ـ وقوله غدا : «لا تكرم الفسّاق من العلماء» ، فهل يصحّ التمسّك بأصالة العموم لإثبات وجوب الإكرام للفرد المشكوك الفسق مثل مرتكب الصغيرة ، أم لا؟
والتحقيق : أنّه يصحّ التمسّك بها كما قال به الأعاظم ، فإنّ العامّ قد انعقد له ظهور في العموم ، والمخصّص المنفصل لا يمنع ظهوره فيه ، والمانع منه عبارة عن قرينة متّصلة بالكلام ، ومع عدمها ينعقد الظهور ، وتقديم الخاصّ في مورده على العامّ يكون تقديما للأقوى والأظهر على الظاهر ، لا أنّه ينكشف من عدم انعقاد الظهور له ، ولذا يكون الخاصّ حجّة في خصوص الفرد المعلوم الفسق كمرتكب الكبيرة ، فلا يصحّ التمسّك بدليل خاصّ لإثبات حرمة إكرام مرتكب الصغيرة للشكّ في فرديّته للخاصّ ، ويصحّ التمسّك بعموم العام الذي انعقد له ظهور في العموم.
هذا ، ولكنّ المحقّق الحائري قدسسره (١) قائل بأنّه بعد ما صارت عادة المتكلّم جارية على ذكر التخصيص منفصلا عن كلامه فحال المخصّص المنفصل في كلامه حال المتّصل في كلام غيره في الاحتياج إلى إحراز عدم المخصّص
__________________
(١) درر الفوائد : ٢١٥.