في عالم اللفظ لم يقيّده أصلا ؛ إذ الجملة خبريّة حاكية عن الواقعيّة الخارجيّة ، فيرتبط التقييد في الواقعيّة بالمعنى الحرفي ، وهكذا في الجمل الاسميّة مثل : «زيد قائم يوم الجمعة» ؛ إذ القيد يرتبط بهو هويّة متحقّقة بين «زيد» و «قائم» ، وهو معنى حرفي ، فتقتضي الدقّة في هذه الجمل أنّ التقييد لا يرتبط بعالم اللفظ ، بل يرتبط بالواقعيّة التي تكون الألفاظ حاكية عنها. هذا في الجمل الخبريّة.
وأمّا الجمل الإنشائيّة فإنّ الأمر وإن لم يكن بهذا الوضوح ولكنّها عند التحقيق أيضا تكون كذلك.
توضيح ذلك : ذكرنا في بحث الإخبار والإنشاء أنّ حقيقة الإنشاء يحتمل أن تكون عبارة عن إبراز ما في النفس وإظهار أمر نفساني بالألفاظ ، مثل : إبراز البيع أو النكاح الواقع في النفس بلفظ «بعت» و «أنكحت» وأمثال ذلك ، كما اختاره بعض الأعلام ، وعلى هذا المعنى تكون كالجملات الخبريّة في الإبراز والإظهار والحكاية عن الواقع ، فلا فرق بينهما في رجوع القيود إلى الهيئة ، ولكنّه مخدوش عندنا كما مرّ.
ويحتمل أن تكون عبارة عن إيجاد أمر اعتباري باللفظ ، ولا يتحقّق مفهوم البيع والنكاح والوجوب بدون لفظ «بعت» و «أنكحت» و «أكرم» مع قصد إيجادها بها ، فالأساس في باب الإنشاء هو اللفظ ، إلّا أنّه لا شكّ في أنّ المولى يلاحظ قبل الإنشاء أنّ إكرام زيد مطلقا لا مصلحة فيه ، بل المصلحة تتحقّق بعد مجيئه ، ولذا يتصوّره مقيّدا ، والقيد يرجع في عالم الثبوت إلى الإرادة ، وبعد التصديق بفائدة هذه الواقعيّة أنشأها بجملة : «إن جاءك زيد فأكرمه» ، فلا يتعلّق اللحاظ الاستقلالي في هذه المراحل بالهيئة حتّى نقول: إنّه لا يناسب المعنى الحرفي ، وعلى هذا وإن كان تمام الملاك في باب الإنشاء عبارة عن