الدلالة في غاية الضعف والسقوط.
وثانيهما : أنّ غلبة وجود مراتب المحبوبيّة في المستحبّات بخلاف الواجبات أوجبت حمل الدليل المطلق والمقيّد على مراتب الاستحباب ، وأنّ أصل عتق الرقبة ـ مثلا ـ مستحبّ ، وعتق الرقبة المؤمنة مستحبّ مؤكّد ، نظير تحقّق مراتب الاستحباب في إقامة الصلاة في مسجد المحلّة وفي مسجد السوق وفي المسجد الجامع ، وأمثال ذلك ، وهذا الجواب صحيح وقابل للمساعدة.
وأمّا إذا كان المطلق والمقيّد منفيّين كما قال المولى في دليل : «لا تشرب المسكر» وفي دليل آخر : «لا تشرب الخمر» فيمكن القول بعدم المنافاة بينهما ولذا نرى في بعض الروايات تعليل حرمة شرب الخمر بأنّه مسكر ، وهذا دليل على عدم تحقّق المنافاة بينهما ، بل تتحقّق الكبرى المطويّة في جميع المسائل المعلّلة كما ذكرناه ، مثل : «لا تأكل الرمّان لأنّه حامض» و «كلّ حامض حرام» ، ولا نحتاج إلى ذكره إلّا في بعض الموارد ، نظير أدلّة الاستصحاب ، وهو قوله عليهالسلام : «لا ينبغي أن تنقض اليقين بالشكّ أبدا» (١) ، فلا مانع من حرمة المطلق والمقيّد معا ، ولا وجه لحمل المطلق على المقيّد.
ولكنّه ليس بصحيح ، فإنّ وحدة الحكم في جميع صور هذه المسألة مفروغ عنها كما هو المفروض ، فكيف يمكن تعلّق حكم واحد بالمسكر والخمر معا؟! فلا محالة يكون المسكر موضوعا له ، والخمر من مصاديقه ، كما أنّ أكل الحامض يكون موضوعا للحرمة ، وأكل الرمّان يكون من مصاديقه ، فيتحقّق كمال المنافاة بين الدليلين ؛ إذ الموضوع في أحدهما هو الخمر وفي الآخر هو المسكر ، فلا بدّ من حمل المطلق على المقيّد ؛ لأنّ مناطه ـ أي التنافي المستكشف
__________________
(١) الوسائل ٣ : ٤٦٦ ، الباب ٣٧ من أبواب النجاسات ، الحديث ١.