ولكن قبل البحث في تلك الثمرات لا بدّ من التحقيق في حقيقة الحكم ، وأنّه في الواقع عبارة عن الإرادة المذكورة أو عبارة عن نفس البعث والتحريك الاعتباري؟ وتدلّ عدّة مؤيّدات على أنّه لا يكون سوى البعث والتحريك الاعتباري شيئا نسمّيه الحكم والتكليف ، مع أنّ تحقّق الإرادة في نفس المولى لا يكون قابلا للإنكار :
الأوّل : عبارة عن ارتكاز العقلاء ، فإنّهم بعد السؤال عن الوجوب في قول المولى : «إن جاءك زيد فأكرمه» يقولون : إنّه عبارة عن مفاد هيئة «أكرم» ، وليس ملاك الحكم في ارتكازهم غيره.
المؤيّد الثاني : أنّه لا فرق بين الإيجاد والوجود بحسب الواقع والماهيّة عند الفلاسفة ، إلّا بإضافة الإيجاد إلى الفاعل بخلاف الوجود ، وهذه النسبة تتحقّق بين الإيجاب والوجوب أيضا ، ولا فرق بينهما إلّا بالاعتبار ، ولا شكّ في أنّ الإيجاب يتحقّق بهيئة «افعل» ، وبقول المولى : «إن جاءك زيد فأكرمه» ، لا بالإرادة الحاصلة في نفسه ، فالوجوب أيضا يتحقّق بهيئة «افعل» ، ولازم ذلك أن يكون الوجوب عبارة عن مفاد هيئة «افعل» ، وإلّا يلزم أن يتحقّق بين الوجوب والإيجاب فرقا ماهويّا.
المؤيّد الثالث : أنّ الحكم على قسمين : تكليفي ووضعي ، ولو كان الحكم عبارة عن الإرادة التشريعيّة فهل يمكن الالتزام بهذا المعنى في الأحكام الوضعيّة؟ فإنّ الملكيّة ليست بحكم للشارع ، بل الحكم عبارة عن الإرادة التشريعيّة المتعلّقة بثبوت الملكيّة عقيب البيع الصحيح وإن لم يكن هذا المعنى ممتنعا ولكنّه مخالف لارتكاز أهل الشرع ، ولا وجه للتفكيك بين الأحكام الوضعيّة والتكليفيّة من هذه الجهة ، ولعلّ هذا الكلام كان مستهجنا عند