الباعثيّة الفعليّة ، بخلاف الشوق إلى ذيها.
وأمّا الإرادة التشريعيّة فهي ـ كما عرفت في محلّه ـ إرادة فعل الغير منه اختيارا ، وحيث إنّ المشتاق إليه فعل الغير الصادر باختياره فلا محالة ليس بنفسه تحت اختياره ، بل بالتسبيب إليه بجعل الداعي إليه وهو البعث نحوه ، فالشوق المتعلّق بفعل الغير إذا بلغ حدّا ينبعث منه الشوق نحو البعث الاعتباري الفعلي كان إرادة تشريعيّة ، وإلّا فلا. ومن المعلوم أنّه إذا تحقّق البعث من المولى ولم يتحقّق الانبعاث في العبد فليس بلحاظ كونه في مقام العصيان ، بل بلحاظ كون الواجب أمرا استقباليّا ، فليس ما سمّيناه بعثا في الحقيقة بعثا ؛ إذ لا يعقل الانفكاك بينهما عند انقياد المكلّف وتمكينه ، وعليه فلا يعقل البعث نحو أمر استقبالي. هذا تمام كلامه ملخّصا.
ويرد عليه إشكالات متعدّدة ، منها : أنّ أساس كلامه مبتن على أنّ للنفس مراتب ودرجات ، وللقوّة الشوقيّة أيضا مراتب ومنازل ، وأعلى درجة الشوق عبارة عن الإرادة ، ولذا عرّفها المشهور بالشوق المؤكّد المحرّك للعضلات نحو المراد.
ولكن التحقيق بعد عدم كون تعريف المشهور أمرا تعبّديّا : أنّه لا سنخيّة بين الشوق والإرادة أصلا ؛ إذ الشوق بجميع مراتبه حالة انفعاليّة للنفس ؛ لأنّ الإنسان بعد وقوعه تحت تأثير فوائد أمر ـ مثلا ـ يحصل له الشوق إليه ، والإرادة حالة فعليّة وقوّة عاملة للنفس ، وتؤيّده التعبيرات العرفيّة ، مثل قولنا : «هل تريد شراء الدار؟» وقولنا : «هل لك شوق إلى شراء الدار؟» ، إذ لا شكّ في أنّه يتحقّق بينهما كمال الفرق عند العرف ، ومنشأ الإرادة ـ كما بيّناه مفصّلا ـ عبارة عن النفس التي أعطاها الله تعالى ، وشعبة من الخلّاقيّة كخلقها