الإرادة والموجود الذهني.
وقال بعض العلماء بأنّه لا دخل للشوق حتّى في مبادئ الإرادة بعنوان ضابطة كلّيّة ، وإن لم يكن تحقّقه كثيرا ما قابلا للإنكار ، ثمّ استدلّ بأنّ الإنسان قد يريد أمرا في حال كونه كارها له وغير مشتاق إليه كشرب الدواء للمريض ، ومثل إرادة قطع اليد أو الرجل المعيوبة لحفظ النفس عن خطر الموت وأمثال ذلك ؛ إذ لا شكّ في عدم كون المراد في هذه الموارد مشتاق إليه ، فلا ضرورة تقتضي لأن يكون الشوق جزء مبادئ الإرادة.
ولكنّه مخدوش بأنّه سلّمنا أنّ المراد في الموارد المذكورة لا يكون مشتاقا إليه ، إلّا أنّ مبادئ الإرادة عبارة عن تصوّر الشيء المراد والتصديق بفائدته ، والشوق إلى هذه الفائدة بحيث يكون المشتاق إليه عبارة عن الفائدة ، لا الشيء المراد بلحاظ كون الشوق أمرا انفعاليّا يوجد في النفس بواسطة الفائدة. ومعلوم أنّ فائدة قطع اليد والرجل ـ أي سلامة نفس الإنسان ـ متعلّق للشوق ، فيتحقّق الشوق في هذه الموارد أيضا ، إلّا أنّ متعلّقه ليس نفس المراد ، بل هو عبارة عن فائدة المراد.
والإشكال المهمّ ـ كما مرّ ـ أنّ سنخ الإرادة والشوق ومقولتهما متغايران ؛ إذ يتحقّق في الشوق جنبة التأثّر والانفعال ، وفي الإرادة جنبة المؤثّريّة ، ولذا لا يصحّ تعريف المشهور للإرادة بوجه ، كما يؤيّده العرف أيضا.
وأمّا قوله قدسسره : بأنّ الإرادة الجزء الأخير للعلّة التامّة ، وإذا تحقّقت الإرادة لا بدّ من ترتّب المعلول عليها ـ أي تحريك العضلات نحو المراد ـ إذ لا يعقل الانفكاك بين العلّة والمعلول» ، ففيه : أوّلا : أنّه ما الدليل على هذا المدّعى؟ فهل يكون أمرا تعبّديّا بدلالة الآية أو الرواية ، أم ثبت هذا المدّعى في علم الفلسفة