وقد اختلف الناس في الحروف التي في فواتح السور ، فقال بعضهم : «إنّما هي حروف يستفتح بها» فإن قيل «هل يكون شيء من القرآن ليس له معنى»؟. فإنّ معنى هذه أنه ابتدأ بها ليعلم أن السورة التي قبلها قد انقضت ، وأنه قد أخذ في أخرى. فجعل هذا ، علامة لانقطاع ما بينهما ، وذلك موجود في كلام العرب ، ينشد الرجل منهم الشعر فيقول [من الرجز ، وهو الشاهد الخامس] :
بل.
وبلدة ما الإنس من آهالها (١) أو يقول [من الرجز ، وهو الشاهد السادس] :
بل.
ما هاج أحزانا وشجوا قد شجا (٢) ف «بل» ليست من البيت ولا تعدّ في وزنه ، ولكن يقطع بها كلام ويستأنف آخر (٣). وقال قوم : «إنّها حروف ، إذا وصلت ، كانت هجاء لشيء يعرف معناه ، وقد أوتي بعض الناس علم ذلك. وذلك أن بعضهم ، كان يقول : «الر» و «حم» و «ن» هذا هو اسم «الرحمن» جل وعزّ ، وما بقي منها ، فنحو هذا».
وقالوا : قوله تعالى (كهيعص) (١) [مريم] كاف ، هاد ، عالم ، صادق ، فأظهر من كل اسم منها حرفا ليستدلّ به عليها. فهذا يدلّ ، على أن الوجه الأوّل لا يكون إلّا وله معنى. لأنه يريد معنى الحروف. ولم ينصبوا من هذه الحروف شيئا غير ما ذكرت لك ، لأن (الم) و (طسم) (١) و (كهيعص) (١) ليست مثل شيء من
__________________
(١). ورد في الصحاح «بلل» بلفظ «آهالها» ولم يعز. وكذلك ورد في «اللسان» «أهل» وبعده :
ترى بها العواهق من وئالها
وورد في «بلل» مع مصراع ثالث هو :
كالنار جرّت طرفي حبالها ولم يعز في أيّ
(٢). ورد في الصحاح «بلل» وفي اللسان «بلل» ولم يعز فيهما. وهو لعبد الله العجاج. انظر ديوانه (٣٤٨) ، والكتاب (٢ : ٢٩٩) ، والأمالي ١ : ٣٨ ، والخصائص (١ : ١٧١) ، وشرح شواهد المغني للسيوطي (٢٦٨).
(٣). نقل الجوهري في الصحاح «بلل» وفعل ابن منظور في اللسان فعله وزاد في مصاريع الرجز اللامي.