معنى «سفّه نفسه» (١) وقال يونس (٢) : «أراها لغة» (٣). ويجوز في هذا القول : «سفهت زيدا» ، وهو يشبه «غبن رأيه» و «خسر نفسه» ألا أنّ هذا كثير ، ولهذا معنى ليس لذاك. تقول : «غبن في رأيه» و «خسر في أهله» و «خسر في بيعه». وقد جاء لهذا نظير ، قال : «ضرب عبد الله الظّهر والبطن» (٤) ومعناه : على الظّهر والبطن» كما قالوا : «دخلت البيت» وإنّما هو «دخلت في البيت» وقوله : «توجّه مكّة والكوفة» وإنّما هو : إلى مكّة والكوفة. ومما يشبه هذا قول الشاعر [من الوافر وهو الشاهد السادس والخمسون] :
نغالي اللّحم للأضياف نيئا |
|
ونبذله إذا نضج القدور |
يريد : نغالي باللحم. ومثل هذا (وَإِنْ أَرَدْتُمْ أَنْ تَسْتَرْضِعُوا أَوْلادَكُمْ) [الآية ٢٣٣] يقول : «لأولادكم» (وَلا تَعْزِمُوا عُقْدَةَ النِّكاحِ) [الآية ٢٣٥] أي : على عقدة النّكاح (٥). وأحسن من ذلك أن تقول : إنّ «سفه نفسه» جرت مجرى «سفه» إذ كان الفعل غير متعدّ ، وإنّما عدّاه الى «نفسه» و «رأيه» وأشباه ذا ممّا هو في المعنى نحو «سفه» إذا لم يتعدّ. وأمّا «غبن» و «خسر» فقد يتعدّى الى غيره تقول : «غبن خمسين» و «خسر خمسين».
وقال تعالى (وَوَصَّى بِها إِبْراهِيمُ بَنِيهِ وَيَعْقُوبُ يا بَنِيَ) [الآية ١٣٢] فهو ـ والله أعلم ـ «وقال يعقوب يا بنيّ» ، لأنّ قوله تعالى (وَوَصَّى بِها) يتضمّن أنه قال لهم شيئا ، فأجري الأخير على معنى الأوّل وإن شئت قرأت (وَيَعْقُوبُ) لأنّه معطوف ، كأنك قلت : «ووصّى بها إبراهيم بنيه ويعقوب» (٦) ثمّ فسّر ما قال يعقوب ، قال : «يا بنيّ».
__________________
(١). نقل رأيه في التهذيب ٦ : ١٣١ «سفه» ، ونقله» عنه المؤلّف في الجامع ٢ : ١٣٢ وزاد المسير ١ : ١٤٧ ، واللسان : «سفه».
(٢). هو يونس بن حبيب ، وقد مرت ترجمته.
(٣). انظر الجامع ٢ : ١٣٢ ، وزاد المسير ١ : ١٤٧.
(٤). في الجامع ٢ : ١٣٢ نسبت هذه الآراء وهذه الأمثلة إلى سيبويه ، نقلا عن الأخفش نفسه.
(٥). نقل هذا الرأي الرّضيّ الأستراباذي في شرحه على الكافية ٢٦٩ ، واستشهد بهذه الشواهد وبغيرها ناسبا إيّاه إلى الأخفش الأصغر ، كما نسبه إلى الأخفش في إعراب القرآن ١ : ٧٧ مستشهدا بالآية الثانية. والقرطبي ٢ : ١٣٢.
(٦). أفاده في الكشاف ١ : ١٩١ ، والإملاء ١ : ٦٤ ، وأفاده أيضا والمعنى السابق في الجامع ١ : ١٣٥.