مني ظلما تعاطيته منك» ؛ والثاني ليس بظالم. قال عمرو بن شأس (١) [من الطويل وهو الشاهد السادس والثلاثون بعد المائة] :
جزينا ذوي العدوان بالأمس مثله |
|
قصاصا سواء حذوك النّعل بالنّعل |
وأما قوله تعالى (فَإِنِ انْتَهَوْا فَإِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ) (١٩٢) فيريد : إنّ الله لهم.
وكذلك قوله تعالى : (فَلا عُدْوانَ إِلَّا عَلَى الظَّالِمِينَ) (١٩٣) لأنه قال (فَإِنِ انْتَهَوْا) وهو قد علم أنّهم لا ينتهون إلّا بعضهم ، فكأنه قال : «إن انتهى بعضهم فلا عدوان إلا على الظالمين منهم» فأضمر ، كما في (فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ) [الآية ١٩٦] أي : فعليه ما استيسر (٢) كما تقول «زيدا أكرمت» وأنت تريد «أكرمته» وكما تقول «إلى من تقصد أقصد» تريد إليه.
وأمّا قوله تعالى (فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ) [الآية ١٩٦] فإنّك تقول : «أحصرني مرضي» (٣) أي : جعلني أحصر نفسي.
وتقول : «حصرت الرجل» أي : حبسته ، فهو «محصور» (٤). وزعم يونس (٥) عن أبي عمرو (٦) أنّه يقول : «حصرته إذا منعته عن كلّ وجه» وإذا منعته من التقدّم خاصّة فقد «أحصرته» ، ويقول بعض العرب في المرض وما أشبهه من الإعياء والكلال : «أحصرته».
وقال تعالى (فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيامٍ) [الآية ١٩٦] أي : فعليه فدية.
وقال تعالى (فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةٍ إِذا رَجَعْتُمْ تِلْكَ عَشَرَةٌ كامِلَةٌ) [الآية ١٩٦] فإنما قال (عَشَرَةٌ كامِلَةٌ) وقد ذكر سبعة وثلاثة ، ليخبر أنّها مجزية ، وليس ليخبر عن عدّتها ،
__________________
(١). هو عمر بن شأس الأسدي الشاعر الجاهلي ، وردت ترجمته في الأغاني ١٠ : ٦٣ والشعر والشعراء ١ : ٤٢٥ ، وطبقات الشعراء ١ : ١٩٦ ، والبيت ليس في ديوانه ، ولم تفد المصادر والمراجع شيئا عنه.
(٢). نقله في إعراب القرآن ١ : ٩٩ ، والبحر ٢ : ٧٤.
(٣). في الأصل أحصرني قولي و «أحصرني مرضي».
(٤). نقلها عنه في الصحاح «حصر» مع تقديم العبارة الثانية على الأولى ، وكذلك في الجامع ٢ : ٣٧٢ والبحر.
(٥). هو يونس بن حبيب ، وقد مرت ترجمته فيما سبق.
(٦). هو أبو عمرو بن العلاء النحوي البصري المشهور ؛ ترجمته في أخبار النحويين البصريين ٢٢ ، ومراتب النحويين ١٣ ، ونزهة الألباء ١٥ ، وطبقات اللّغويّين ٣٥ وإنباه الرواة ٤ : ١٢٥ ، وبغية الوعاة ٢٦٧.