ألا ترى أن قوله تعالى (كامِلَةٌ) إنّما هي «وافية».
وقد ذكروا أنّه في حرف ابن مسعود (١) «تسع وتسعون نعجة أنثى» (٢) وذلك أن الكلام يؤكد بما يستغنى به عنه ، كما قال تعالى (فَسَجَدَ الْمَلائِكَةُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ) [الحجر : ٣٠ وص : ٧٣]. وقد يستغنى بأحدهما ، ولكنّ تكرير الكلام ، كأنه أوجب. ألا ترى أنك تقول : «رأيت أخويك كليهما» ولو قلت : «رأيت أخويك» ، استغنيت فتجيء ب «كليهما» توكيدا. وقال بعضهم في قول ابن مسعود «أنثى» ، إنّه إنّما أراد «مؤنّثة» ، يصفها بذلك ، لأنّ ذلك قد يستحبّ من النساء.
وقال تعالى (ذلِكَ لِمَنْ لَمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرامِ) [الآية ١٩٦] ، وإذا وقفت قلت : «حاضري» لأنّ الياء إنّما ذهبت في الوصل لسكون اللام من «المسجد» ، وكذلك (غَيْرَ مُحِلِّي الصَّيْدِ) [المائدة : ١] وقوله تعالى (عَمَّ يَتَساءَلُونَ) (١) [النبأ] و (فِيمَ أَنْتَ مِنْ ذِكْراها) (٤٣) [النازعات] وأشباه هذا مما ليس هو حرف إعراب. وحرف الإعراب الذي يقع عليه الرفع والنّصب والجرّ ، ونحو «هو» و «هي» ، فإذا وقفت عليه ، فأنت فيه بالخيار ، إن شئت ألحقت الهاء ، وإن شئت لم تلحق. وقد قالت العرب في نون الجميع ونون الاثنين في الوقف بالهاء فقالوا : «هما رجلانه» و «مسلمونه» و «قد قمته» إذا أرادوا : قد قمت» (٣) وكذلك ما لم يكن حرف إعراب ، إلّا أنّ بعضه أحسن من بعض ، وهو في المفتوح أكثر. فأمّا «مررت بأحمر» و «يعمر» فلا يكون الوقف في هذا بالهاء ، لأنّ هذا قد ينصرف عن هذا الوجه. وكذلك ما لم يكن حرف
__________________
(١). هو عبد الله مسعود الصحابي ، وقد مرت ترجمته فيما سبق.
(٢). ص ٣٨ : ٢٣ وقد أثبتت في المصحف الشريف ، على هذا النحو (تِسْعٌ وَتِسْعُونَ نَعْجَةً) ، والقراءة مذكورة في معاني القرآن ٢ : ٤٠٣ ، والطّبري ٢٣ : ١٤٣ ، وإعراب ثلاثين سورة ٤٤ ، والشواذ ١٣٠ ، والجامع ١٥ : ١٧٤.
(٣). هي في الخزانة ٤ : ٤٩٢ لغة عليا تميم وسفلى قيس ، مع «أنا» ضمير المتكلم ، وأنكر ذلك الجندي في اللهجات ٣٩٧ ، وعزاها إلى طيّئ ، استنادا إلى شرح الشافية ٢ : ٢٩٤ ، وأوردها ابن جنّي في المنصف ١ : ٩ على أنها سمة عامة في العربية ، ولم يخصّ بها جماعة من العرب معيّنة. وقال أبو زيد في النوادر ١٧١ إنّها لغة أهل العالية ، فإذا حملنا لفظ «غير» على الخطأ في النسخ جاز لنا تصوره «نميريّا» وتصوّر اللغة تميريّة أيضا. وفي الكتاب ١ : ٢٧٨ بلا نسبة.