وأما قوله (الْحَمْدُ لِلَّهِ) فرفعه على الابتداء. وذلك أن كل اسم ابتدأته لم توقع عليه فعلا من بعده فهو مرفوع ، وخبره إن كان هو إيّاه ، فهو أيضا مرفوع ، نحو قوله (مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللهِ) [الفتح : ٢٩] وما أشبه ذلك. وهذه الجملة تأتي على جميع ما في القرآن من المبتدأ فافهمها. فإنما رفع المبتدأ ابتداؤك إياه ، والابتداء هو الذي رفع الخبر في قول بعضهم (١) ، [و] كما كانت «أنّ» تنصب الاسم وترفع الخبر فكذلك رفع الابتداء الاسم والخبر. وقال بعضهم : «رفع المبتدأ خبره» وكلّ حسن ، والأول أقيس.
وبعض العرب يقول (الحمد لله) (٢) فينصب على المصدر ، وذلك أن أصل الكلام عنده على قوله «حمدا لله» يجعله بدلا من اللفظ بالفعل ، وكأنه جعله مكان «أحمد» حتى كأنه قال : «أحمد حمدا» ثم أدخل الألف واللام على هذه.
وقد قال بعض العرب (الحمد لله) (٣) فكسره ، وذلك أنه جعل بمنزلة الأسماء التي ليست بمتمكنة (٤) ، وذلك أن الأسماء التي ليست بمتمكّنة تحرّك أواخرها بحركة واحدة لا تزول علّتها ، نحو «حيث» جعلها بعض العرب مضمومة على كل حال ، وبعضهم يقول «حوث» (٥) و «حيث» (٦) ضم وفتح. ونحو «قبل» و «بعد» جعلتا مضمومتين على كل حال. وقال الله تبارك وتعالى : (لِلَّهِ الْأَمْرُ مِنْ قَبْلُ وَمِنْ
__________________
(١). هو رأي البصريين في كتاب «الإنصاف» ١ : ٣.
(٢). نسبت في معاني القرآن ١ : ٣ إلى أهل البدو في الشواذ (١) زاد رؤبة أيضا وفي الجامع ١ : ١٣٥ زاد سفيان بن عيينة عليه. وزاد في البحر ١ : ١٨ هارون العتكي عليهما.
(٣). نسبت في معاني القرآن ١ : ٣ إلى أهل البدو أيضا. وفي إعراب ثلاثين سورة ١٨ إلى الحسن ورؤبة ، وفي الشواذ ١ كذلك ، وفي المحتسب ١ : ٣٧ أهمل رؤبة وزاد ابراهيم بن أبي عبلة وزيد بن علي. وقصرت في الإبانة ٧٥ على الحسن وفي الجامع ١ : ١٣٦ أسماه الحسن بن أبي الحسن وزاد عليه زيد بن علي وقصرت في البحر ١ : ٨ على الحسن وزيد بن علي أيضا.
(٤). يرى بعضهم في هذه القراءة أن : تفسيرها المقبول هو أنها جرت اتباعا لحركة اللام ، كما ضمت اللام اتباعا لضمّة الدال في قراءة بعضهم.
(٥). حار ابن منظور في اللسان (حيث) في نسبة : حوث إلى طيّئ. أو تميم وأورد عن اللحياني أنها لغة طيّئ وحدها.
(٦). في الأصل : «حيث» و «حوث» بتقديم «حيث» وإنما أخرت عن أختها لقوله فيما بعدها ضم وفتح.