والكذب ، بخلاف أسلوب الخبر الذي يحتملهما. وعندي أن استعمال «الشكّ» في الآيات التسع ، قد ورد إمّا في حشو جملة الشرط ، وإما بعد «بل» للإضراب ، وإما في حشو جملة الاستفهام ، وإما في جملة توحي بالتردّد وعدم الاستقرار ، كما في قوله تعالى :
(إِلَّا لِنَعْلَمَ مَنْ يُؤْمِنُ بِالْآخِرَةِ مِمَّنْ هُوَ مِنْها فِي شَكٍ) [سبأ : ٢١].
وقوله تعالى أيضا : (بَلْ هُمْ فِي شَكٍّ يَلْعَبُونَ) (٩) [الدخان].
وقوله تعالى : (فَما زِلْتُمْ فِي شَكٍّ مِمَّا جاءَكُمْ بِهِ) [غافر : ٣٤].
وعلى هذا كان استعمال الريب ألزم وأوجب لما يقتضي المقام أن تستعمل فيه ، ولا يمكن أن يحل «الشكّ» محلّه.
ألا ترى أن قوله تعالى : (لِيَعْلَمُوا أَنَّ وَعْدَ اللهِ حَقٌّ وَأَنَّ السَّاعَةَ لا رَيْبَ فِيها) [الكهف : ٢١]. تقرير حق وبيان وعلم بأمر محقق ، وهذا يؤذن ألا يستعمل فيه ما قد يفهم منه الضعف والتردّد ، فاستبعدت كلمة «الشكّ» واستعملت كلمة «الريب» ، ولا يمكن أن تؤدي الاولى ما تؤديه الثانية.
ومثل هذا قوله تعالى : (يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِنَ الْبَعْثِ فَإِنَّا خَلَقْناكُمْ مِنْ تُرابٍ) [الحج : ٥].
وقوله تعالى : (وَأَنَّ السَّاعَةَ آتِيَةٌ لا رَيْبَ فِيها وَأَنَّ اللهَ يَبْعَثُ مَنْ فِي الْقُبُورِ) (٧) [الحج].
وقوله تعالى : (تَنْزِيلُ الْكِتابِ لا رَيْبَ فِيهِ مِنْ رَبِّ الْعالَمِينَ) (٢) [السجدة].
وقوله تعالى : (لِتُنْذِرَ أُمَّ الْقُرى وَمَنْ حَوْلَها وَتُنْذِرَ يَوْمَ الْجَمْعِ لا رَيْبَ فِيهِ) [الشورى : ٧].
وقوله تعالى : (قُلِ اللهُ يُحْيِيكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يَجْمَعُكُمْ إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ لا رَيْبَ فِيهِ) [الجاثية : ٢٦].
ألا ترى أن قيام الساعة ، والبعث ، ويوم القيامة ، ويوم الجمع حق لا مراء فيه ، فإثباته وبيانه يتطلب أن تؤدي الألفاظ هذه الحال المقتضاة ، فكان ان استعمل «الريب» ، ولم يستعمل «الشك». تلكم لغة التنزيل في تخير اللفظ ، وأحكام الأداء ، وإصابة دقائق المعاني.
٢ ـ قال تعالى : (اللهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ وَيَمُدُّهُمْ فِي طُغْيانِهِمْ يَعْمَهُونَ) (١٥).