وبالجملة ، فأصل البراءة أظهر عند القائلين بها والمنكرين لها من أن يحتاج إلى الاستصحاب.
ومنها : أنّ الاحتياط عسر منفيّ وجوبه.
وفيه : أنّ تعسّره ليس إلّا من حيث كثرة موارده. فهي ممنوعة ، لأنّ
______________________________________________________
(وبالجملة ، فأصل البراءة أظهر عند القائلين بها) من الأصوليين (والمنكرين لها) من الأخباريين (من أن يحتاج إلى الاستصحاب) لأنّهما متفقان على دلالة الأدلة الأربعة على البراءة عند عدم البيان من دون الحاجة إلى استصحاب البراءة ، ويفترقان في أنّ الأخباريين يدّعون وجود البيان من جهة ورود أدلة الاحتياط ، ولذا يعملون بالاحتياط ، والاصوليين يرون عدم وجود البيان ، وانّ أدلة الاحتياط ليست بيانا بحيث يدفع «قبح العقاب بلا بيان» ولذا يعملون بالبراءة.
(ومنها) : أيّ : من الوجوه التي استدلّ بها على البراءة هو : (انّ الاحتياط عسر منفيّ وجوبه) في الكتاب والسنّة والاجماع ، بل والعقل في الجملة ، فقد قال سبحانه : (ما جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ) (١) وقال تعالى : (يُرِيدُ اللهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ ...») (٢).
وحيث كان العسر والحرج منفيين ، فلا يجب الاحتياط ، وحيث لا يجب الاحتياط يكون مجرى للبراءة.
(وفيه : انّ تعسّره) أيّ : تعسر الاحتياط (ليس الّا من حيث كثرة موارده) لأنّ موارد الاحتياط لو كانت قليلة لم يكن عسر أو حرج في الاحتياط (فهي) أيّ : الكثرة (ممنوعة) فانا لا نسلم كثرة موارد الاحتياط (لأن
__________________
(١) ـ سورة الحج : الآية ٧٨.
(٢) ـ سورة البقرة : الآية ١٨٥.