وبالجملة : فحكم العقل بالتخيير نتيجة وجوب العمل بكلّ منهما في حدّ ذاته.
وهذا الكلام مطّرد في كلّ واجبين متزاحمين.
نعم ، لو كان الوجوب في أحدهما آكد ، والمطلوبيّة فيه أشدّ ،
______________________________________________________
الموجودة فيه رجحانا لا يوجب تقديمه على الآخر تقديما تعيينيا.
(وبالجملة : فحكم العقل بالتخيير نتيجة وجوب العمل بكلّ منهما في حدّ ذاته) أي : أن كل واحد منهما حيث كان جامعا لشرائط السببية وجب العمل به لو لا التعارض ، فيجتمع هنا سببان متعارضان ، والمزية لا تكون بحدّ توجب تعيين ذي المزية على ما لا مزية فيه ، فيحكم العقل فيهما بالتخيير على ما عرفت.
(وهذا الكلام) الذي قلناه في حكم العقل بالتخيير ، من دون تعيين الراجح على المرجوح ، إذا لم يكن الرجحان بحيث يوجب التعيين (مطّرد في كلّ واجبين متزاحمين) مثل : إنقاذ الغريقين بالنسبة إلى من لا يتمكن إلّا من إنقاذ أحدهما ، أو خلاص من يريد الظالم قتلهما وهو لا يقدر إلّا على خلاص أحدهما ، أو إطعام جائعين مشرفين على الموت وهو لا يقدر إلّا على إطعام أحدهما ، أو إنقاذ امرأتين ممّن يريد هتك عرضهما وهو لا يتمكن إلّا من إنقاذ إحداهما ، وهكذا حفظ مالين كثيرين مشرفين على التلف وهو لا يتمكن إلّا من حفظ أحدهما ، وغير ذلك ممّا يدّل على أن العقل يحكم بالتخيير في الواجبين المتزاحمين بلا فرق فيهما بين الأموال والأعراض والنفوس.
(نعم ، لو كان الوجوب في أحدهما آكد ، والمطلوبيّة فيه أشدّ) بحيث يكون أحدهما أهم من الآخر ، فالأهمية لو كان على نحو المنع عن النقيض ، كانقاذ عالم أو جاهل غرقا معا أو أراد العدو قتلهما ، أو ما أشبه ذلك من المتزاحمين أمثلة