والوجه الرابع : بأنّ دلالة الخبر المذكور عليه لا يخلو عن خفاء ، لاحتمال أن يكون المراد من شباهة أحد الخبرين بقول الناس كونه متفرّعا على قواعدهم الباطلة ،
______________________________________________________
في خلاف العامّة تعبّدا ، أبعد من الأمر بأخذ المخالف للعامّة تعبّدا.
إذن : فالحكم بأخذ المخالف للعامّة تعبّدا بعيد ، كما تقدّم بيان بعده في الاشكال على الوجه الأوّل والثالث ، ولكنّ التعليل بالرشد تعبّدا أبعد منه ، وذلك لأنّ التعليل يجب أن يكون بأمر متناسب عرفا مع المطلب الذي جيء بالتعليل له ، والذي يناسب الأمر بمخالفة العامّة هو : الأقربية إلى الحقّ والأبعدية عن الباطل ، لا أن يتعبّد بكون الرشد في مخالفتهم ، فهو مثل أن يقول : اغتسل للجنابة ، لأنّ الغسل يوجب سعة الرزق ، فانّ مثل هذه العلّة لا تتناسب مع الغسل ، وليس من البلاغة التعليل بما لا يتناسب عرفا ، بل اللازم أن يقول مثلا : اغتسل للجنابة لأنّه يوجب النظافة.
هذا هو تمام الاشكال على الوجه الثاني القائل بترجيح المخالف للعامّة لأجل مظنّة مطابقته للحقّ والواقع (و) امّا الاشكال على (الوجه الرابع) القائل بترجيح الخبر المخالف للعامّة لأجل عدم احتمال التقيّة فيه ، فهو : (بانّ دلالة الخبر المذكور) في قوله عليهالسلام : «ما سمعته منّي يشبه قول الناس ففيه التقيّة ، وما سمعته منّي لا يشبه قول الناس فلا تقيّة فيه» (١) فانّ دلالة هذا الخبر (عليه) أي : على الوجه الرابع (لا يخلو عن خفاء).
وإنّما لا يخلو عن خفاء (لاحتمال أن يكون المراد من شباهة أحد الخبرين بقول الناس كونه متفرّعا) ومبتنيا (على قواعدهم الباطلة) في الاصول والامور
__________________
(١) ـ تهذيب الاحكام : ج ٨ ص ٩٨ ب ٣٦ ح ٩ ، الاستبصار : ج ٣ ص ٣١٨ ب ١٨٣ ح ١٠ ، وسائل الشيعة : ج ٢٧ ص ١٢٣ ب ٩ ح ٣٣٣٧٩.