البيان : ان السياق القرآني هنا لا يروي حادثة ـ كما سبق ـ وانما يكشف عن سنة ولا يعرض سيرة قوم ، انما يعلن عن خطوات قدر. ومن ثم يتكشف أن هناك ناموسا تجري عليه الامور ، وتتم وفقه الاحداث ، ويتحرك به تاريخ الانسان في هذه الارض :
(وَما أَرْسَلْنا فِي قَرْيَةٍ مِنْ نَبِيٍّ إِلَّا أَخَذْنا أَهْلَها بِالْبَأْساءِ وَالضَّرَّاءِ لَعَلَّهُمْ يَضَّرَّعُونَ).
فليس للعبث ـ تعالى الله عن ذلك علوا ـ وانما يأخذ الله عباده بالشدة في أنفسهم وأرزاقهم ، لان من طبيعة الابتلاء بالشدة أن يوقظ الفطرة التي ما يزال فيها خير يرجى لذلك اقتضت مشيئة الله أن يأخذ أهل كل قرية ، فيرسل اليها نبيا فتكذبه ، والبأساء والضراء ، خير مهذب وخير مفجر لينابيع الخير المستكنة في الضمائر الحية.
وعند التكذيب والعناد بعد قيام الحجة ، تجيء العاقبة وفق السنة الجارية : (فَأَخَذْناهُمْ بَغْتَةً وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ) جزاء بما نسوا واغتروا وعاندوا وكذبوا واتبعوا أهواءهم (وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنا عَلَيْهِمْ بَرَكاتٍ مِنَ السَّماءِ وَالْأَرْضِ وَلكِنْ كَذَّبُوا).
فذلك الطرف الآخر لسنة الله عزوجل الجارية ، فلو بدلوا التكذيب بالتصديق. والعصيان بالطاعة والاذعان لفتح الله عليهم بركات من السماء والارض بدون حساب.
ان العقيدة الايمانية في الله وتقواه ليست مسألة منعزلة عن واقع الحياة وعن تاريخ الانسان ، ان الايمان بالله وتقواه ، ليؤهلان لفيض من بركات السماء والارض وعدا من الله حقا ، ومن أوفى بعهده من الله العادل الحكيم.
والايمان بالله عزوجل قوة دافعة دافقة تجمع جوانب الكينونة