وما يريد الله للناس بهذا التحذير في القرآن أن يعيشوا فزعين قلقين ، وانما يريد الله منهم اليقظة والحساسية والتقوى ومراقبة للنفس ، والعظة بتجارب البشر ورؤية محركات التاريخ الانساني ، وادامة الاتصال بالله ، وعدم الاغترار بطراوة العيش ورخائه.
والمنهج القرآني ـ مع ذلك ـ انما يعالج أطوار النفوس والقلوب المتقلبة وأطوار الامم والجماعات المتنوعة ، فيعطيها جرعة من الامن والثقة والطمأنينة الى جوار الله تعالى حين تخشى قوى الارض وملابسات الحياة ، ويعطيها جرعة من الخوف والحذر والترقب لبأس الله ، حين تركن الى قوى الارض ومغريات الحياة ، وربك أعلم بمن خلق وهو اللطيف الخبير.
(تِلْكَ الْقُرى نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْبائِها) .. (وَإِنْ وَجَدْنا أَكْثَرَهُمْ لَفاسِقِينَ)
والعهد الذي يشار اليه هنا قد يكون هو عهد الله على فطرة البشر الذي ورد ذكره سابقا. وقد يكون هو عهد الايمان الذي أعطاه اسلافهم الذين آمنوا بالرسل ثم انحرف الخلائف كما يقع في كل جاهلية وفترة ، اذ تظل الاجيال تنحرف شيئا فشيئا حتى تخرج من عهد الايمان وترتد الى الجاهلية السابقة.
وأيا كان فالعهد قد تبين أن أهل هذه القرى لا عهد لاكثرهم يستمسكون به ويبنون عليه انما هو الهوى المتقلب ، والطبيعة التي لا تصبر على تكاليف العهد ولا تستقيم.
(وَما وَجَدْنا لِأَكْثَرِهِمْ مِنْ عَهْدٍ ، وَإِنْ وَجَدْنا أَكْثَرَهُمْ لَفاسِقِينَ)
(ثُمَّ بَعَثْنا مِنْ بَعْدِهِمْ مُوسى بِآياتِنا إِلى فِرْعَوْنَ وَمَلائِهِ فَظَلَمُوا بِها فَانْظُرْ كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ (١٠٣) وَقالَ مُوسى يا فِرْعَوْنُ إِنِّي رَسُولٌ مِنْ رَبِّ الْعالَمِينَ (١٠٤) حَقِيقٌ عَلى أَنْ لا أَقُولَ عَلَى اللهِ إِلاَّ الْحَقَّ قَدْ جِئْتُكُمْ بِبَيِّنَةٍ