ذلِكَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا فَاقْصُصِ الْقَصَصَ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ (١٧٦) ساءَ مَثَلاً الْقَوْمُ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا وَأَنْفُسَهُمْ كانُوا يَظْلِمُونَ (١٧٧) مَنْ يَهْدِ اللهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِي وَمَنْ يُضْلِلْ فَأُولئِكَ هُمُ الْخاسِرُونَ (١٧٨))
البيان : انه مشهد من المشاهد العجيبة الجديدة كل الجدة على ذخيرة هذه اللغة من التصورات والتصويرات .. انسان يؤتيه الله آياته ، ويخلع عليه من فضله ، ويكسوه من علمه ، ويعطيه الفرصة كاملة للهدى والاتصال والارتفاع.
ولكن ها هو ذا ينسلخ من هذا كله انسلاخا ويتجرد من الغطاء الواقي ، والدرع الحامي ، وينحرف عن الهدى ليتبع الهوى ، ويهبط من الافق المشرق فيلتصق بالطين المعتم القذر ، فيصبح غرضا للشيطان لا يقيه منه واق ، ولا يحميه منه حام ، فيتبعه ويلزمه ويستحوذ عليه ، ثم اذا نحن أولاء امام مشهد مفزع بائس نكد ، واذا نحن بهذا المخلوق لاصقا بالارض ، ملوثا بالطين ، ثم اذا هو مسخ في هيئة الكلب يلهث ان طورد ويلهث ان لم يطارد. كل هذه المشاهد المتحركة تتابع وتتوالى ، فاذا انتهى الى المشهد الاخير منها الى مشهد اللهث الذي لا ينقطع : (ذلِكَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا ..)
وهل أسوأ من هذا المثل مثلا ، وهل أسوأ من هذا الانسلاخ والتعري من الهدى ، ولا أسوأ من اللصوق بالارض واتباع الهوى ، وهل يظلم انسان نفسه كما يظلمها من يصنع بها هكذا .. وهل يبلغ قول قائل في وصف هذه الحالة وتصويرها على هذا النحو العجيب الفريد الا هذا القرآن العجيب الفريد. وهل هو نبأ يروى أم مثل يضرب ، كلا انما هو نص من خالق الكائنات.
وهذا الرجل الذي وصفه خالقه بالكلب اللاهث ابدا ، هو (بلعلم بن باعوراء) وروى انه كان من أهل فلسطين الجبابرة ، وانه كان على