ذلك على ما رواه الطبري وابن كثير والبغوي في تفسير هذه الآية «إذا قرأه عليك جبريل فاتبع قرآنه» فصار في هذا توفيق بين هذه الآية وآيات النحل والشعراء والبقرة. وهناك حديث رواه البخاري والترمذي عن ابن عباس في ذلك أيضا قال : «كان رسول الله صلىاللهعليهوسلم إذا نزل جبريل بالوحي وكان مما يحرك به لسانه وشفتيه فيشتد عليه وكان يعرف منه ، فأنزل الله الآيات ، فكان إذا آتاه جبريل أطرق فإذا ذهب قرأه كما وعد الله».
هذا ومع تناولنا المسألة الخلافية وشرحنا لها موضوعيا في مناسبة جملة (كَلامَ اللهِ) مجاراة للمفسرين واجتهادا لوضع الأمر في نصابه فإننا نقول :
أولا : إننا لا نرى جملة (حَتَّى يَسْمَعَ كَلامَ اللهِ) مناسبة سائغة لذلك. فهي تعني حتى يسمع ما أوحى الله لرسوله من مبادئ وأهداف الرسالة وأن في إثارة الجدل الكلامي في مناسبتها تحميلا لها غير ما تتحمل.
وثانيا : إن هذه الخلافيات والجدليات لا تتصل بآثار نبوية ولا راشدية موثقة ثابتة في ذاتها. فضلا عما كان من آثار نبوية وراشدية تنهى عن الخوض في ماهية الله والقرآن. ومن ذلك حديث رواه الشيخان وأبو داود عن أبي هريرة عن النبي صلىاللهعليهوسلم قال : «يأتي الشيطان أحدكم فيقول من خلق كذا ومن خلق كذا حتى يقول من خلق ربّك. فإذا بلغ ذلك فليستعذ بالله ولينتبه» وحديث رواه أبو داود عن أبي هريرة عن النبيّ صلىاللهعليهوسلم قال : «المراء في القرآن كفر. ما عرفتم منه فاعملوا به ، وما جهلتم فردوه إلى عالمه جلّ جلاله». وأن من الأولى أن يظل المسلم في حدود التقريرات القرآنية بأن القرآن كلام الله ومن عند الله ووحي من الله وأنزله الله ليتدبر الناس آياته وجعله عربيا ليعقله السامعون وليخرج الناس به من الظلمات إلى النور. لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد. وأن لله أحسن الأسماء وأكمل الصفات وأنه ليس كمثله شيء ولا تدركه الأبصار. وأن لا يتورط ويخوض في ماهيات وكيفيات متصلة بسرّ واجب الوجود وسرّ الوحي والنبوّة مما لا يستطاع إدراكه بالعقل الإنساني مع قيام البراهين عليه ومما لا طائل من ورائه. والله تعالى أعلم.