وهو كالمدهوش ، حينما سمع نبأ وفاة الرسول (ص) يقول : إن محمدا لم يمت وسيرجع ليقطع ايدي اناس وارجلهم ، وبقي ساعة يهدد بهذه الكلمات حتى تلا عليه بعض المسلمين : (إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ). كل ذلك لم يفكروا فيه ولم ينظروا الى الأحداث المنتظرة ممن دخلوا في الإسلام ، ولما يستحكم في نفوسهم ، لا سيما اذا استحكم الخلاف بين صحابة الرسول على الخلافة.
ولكن عليا (ع) الحريص على رسالة الاسلام ومقدساته ، يرى أن مصلحة الاسلام قبل كل شيء. وإذا كان يطالب بحقه الشرعي فذاك لكي يعمل على بعث الدين ونشر تعاليمه وتطبيق مبادئه وغرسها في النفوس ، والخلافة لا تساوي في حسابه شيئا اذا لم تؤد الى هذه الغاية.
ولقد قال لابن عمه عبد الله بن عباس ، وهو يخصف نعله : إن إمرتكم لأهون من هذه النعل إلا أن احق حقا وأبطل باطلا.
وبعد أن توالت الأحداث وانتشرت دعوة المرتدين والمتنبئين ، والدين جديد لم يكن له تلك القداسة عند الكثير من الاعراب وسكان البادية ، لا سيما وقد بلغهم ما حدث من نزاع على الخلافة في حاضرة الإسلام بين المهاجرين والأنصار والهاشميين ، مما أدى الى نشاط حركة الردة عند بعض القبائل العربية. لهذه الأخطار التي احدقت بالاسلام ، وهو لا يزال في فجره الأول ، آثر علي (ع) أن يتغاضى عن حقه ، ويعمل معهم صفا واحدا لدفع تلك الأخطار المخيفة ، بعد أن صارح القوم بما في نفسه بلا مواربة ولا اخفاء ، فقال مخاطبا لأبي بكر : لم يمنعنا عن بيعتك انا ننافسك على خير ساقه الله اليك ، ولكنا نرى ان هذا الأمر هو حقنا ، وقد استبددتم به علينا ، وقال في موقف آخر : أما والله لقد تقمصها ابن أبي قحافة ، وانه ليعلم أن محلي منها محل القطب