إليه أمر الحديث ، بعد فترة قصيرة على وفاة الرسول. حتى ان الخليفة نفسه الذي منع من تدوينه ، لم يكن يحسب ان يصل الأمر بأبي هريرة وزمرته الى ما وصلوا اليه. وبالأمس القريب ضربه بدرته لأنه روى عن الرسول ما لم يحدث به. وحبس عبد الله بن مسعود وأبا الدرداء وأبي بن كعب ، لأنهم أكثروا الحديث عن الرسول ، مع ان هؤلاء الثلاثة من خيرة الصحابة وأعيانهم (١).
لقد منع عمر بن الخطاب من تدوين الحديث والفقه بعد تفكير طويل دام شهرا كاملا ، لأنه تخوف الكذب على الرسول.
وبالأمس القريب قال في علي كلماته الخالدات : «لو لا علي لهلك عمر ، لا بقيت لمعضلة ليس لها أبو حسن».
وفي مسجد النبي على حشد من فقهاء الصحابة وجملة الحديث : «لا يفتين أحدكم في المسجد وعلي حاضر».
ان ذلك ليدعو الى التساؤل ويترك في نفس الباحث ألوانا من الشكوك حول هذا التصرف. لما ذا لم يكلفه بجمع الحديث وتدوينه ، وهو يعلم أنه أعرفهم بالحديث وأقربهم كان من الرسول. ولم يغب عنه شيء بما حدث به وشرعه ، منذ بعثه الله حتى الساعات الأخيرة من حياته. ولو كلفه بذلك ، كما كلف زيد بن ثابت بجمع الرقاع والألواح ، التي كتب عليها آيات القرآن ، لوفر على المسلمين جهودا استغرقت العشرات من السنين ، وسهل على من بعده الوصول إلى أحكام الله وفهم آي القرآن المجيد. ولما ابتليت الأمة بمثل أبي هريرة
__________________
(١) تاريخ التشريع الإسلامي للشيخ محمد الخضري والسنة قبل التدوين الى محمد عجاج الخطيب.