يدعون بأن النبي كان يجتهد في الأحكام اذا عرضت عليه واقعة لم يوح اليه بحكمها قال الدكتور محمد يوسف : ان الرسول كان يجتهد في الحكم ثم يصدر رأيه ، وهنا لا يقره الله على هذا الرأي إلا إذا كان صوابا (١).
أما بعد وفاته فقد وقعت حوادث لم تكن في حياته ، واتسعت حياة المسلمين بسبب الغزوات واتصال المسلمين بالبلاد التي غزاها الاسلام ، فكان ولا بد من تضاعف الحاجة الى الفقه. وما تجددت الحاجة الى معرفة حكمه ، لم يكن باستطاعتهم ان يستخرجوا حكمه من نصوص الكتاب والسنة ، فكان الاجماع والقياس مرجعهما في مثل ذلك. ويرى ابن خلدون في مقدمته وغيره كما ذكرنا سابقا حدوث هذين الأصلين : الاجماع والقياس ، في عهد الصحابة.
وكانت الطريقة المتبعة في تحصيل الاجماع ، هي أن الخليفة إذا استشار جماعة من المسلمين في حكم وأشاروا فيه برأي أفتى به. وسمي هذا النوع من الاتفاق اجماعا (٢) ، وان لم يذكر المجمعون نصا عليه من كتاب او سنة. وفي كتاب عمر بن الخطاب الى شريح القاضي ، ما يدل على أن الاجماع كان اصلا من اصول الأحكام ، بعد كتاب الله وسنّة نبيّه ، كما يرويه عامر الشعبي عن شريح نفسه ، ان عمر كتب اليه : اذا أتاك أمر فاقض فيه بما في كتاب الله ، فإن أتاك ما ليس في كتاب الله ولم يسنّه رسول الله (ص) ولم يتكلم فيه احد ، فان شئت أن تجتهد رأيك فتقدم.
__________________
(١) اليعقوبي المجلد ٢ (ص ٦٥ ـ ٦٦) طبع النجف الأشرف. وانظر المدخل لدارسة نظام المعاملات ص ٢١.
(٢) تاريخ التشريع الإسلامي للخضري (ص ١١٥).