والإجماع الذي وضع نواته الشيخان ، كما يقول الخضري وابن خلدون وغيرهما ، عرض عليه بعض التطور ، فيما بعد زمن الصحابة ، ووقع خلاف شديد بين مالك وجماعته من جهة ، وبين الليث بن سعد ، فقيه مصر ، كما جاء في تعابير أهل السنة عنه ، ومعه جماعة من جهة اخرى ، مع اتفاقهما على اعتباره دليلا على الحكم. فبينما يرى مالك وجماعته ، ان الاجماع الذي هو دليل في الأحكام ، هو إجماع اهل المدينة ، يرى الطرف الآخر ان اهل المدينة وغيرهم سيان في ذلك. ومهما يكن الحال ، فقد استدل من يرى أن الاجماع دليل لا يجوز مخالفته ، بالآية (١١٤) من سورة النساء : (وَمَنْ يُشاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ ما تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ ما تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَساءَتْ مَصِيراً.)
وبالآية (١٤٣) من سورة البقرة : (وَكَذلِكَ جَعَلْناكُمْ أُمَّةً وَسَطاً لِتَكُونُوا شُهَداءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيداً)
وبما رواه ابن مسعود عن الرسول انه قال : «ثلاث لا يغل عليهن قلب مسلم : إخلاص العمل لله تعالى ، ونصيحة المسلمين ، ولزوم جماعتهم».
وبما رواه عمر بن الخطاب عنه وهو يخطب الناس : «ألا من سره بحبوحة الجنة فليلزم الجماعة ، الشيطان مع الفرد ، وهو من الاثنين ابعد».
وبما رواه المحدثون من اهل السنة عنه انه قال : «لا تجتمع امتي على ضلال ، ويد الله مع الجماعة».