لهذين الأصلين وحدهما كان يرجع الشيعة ، في عهد الصحابة وما بعده من العصور. ويتبين ذلك مما ذكرناه في الفصول السابقة من آراء علي وبعض الصحابة من الشيعة في الفقه والتشريع. وعند ما يلجأ غيرهم الى الرأي والاجماع والاستحسان ، للأسباب التي يزعمون أنها تبيح لهم ذلك ، يقف الشيعة الى جانب هذين الأصلين وحدهما ، معلنين آرائهم في الفقه على أساسهما. ويدل على ذلك رأيهم في المتعة والمسح على القدمين والعول والتعصيب والطلاق ثلاثا بلفظ واحد ، وغير ذلك من موارد الخلاف مع غيرهم من الصحابة ، في المسائل التي بدأ الخلاف فيها من عهدهم واستمر حتى اليوم.
أما الاجماع ، سواء كان يرتكز على آراء جماعة من الصحابة ، كما يقول الخضري ، او آراء أهل المدينة ، لأنها مهبط الوحي ، وأهلها عاشوا مع النبي دهرا طويلا ، وعرفوا أسرار ما نزل عليه وعملوا به كما يدعي مالك وأتباعه ، او آراء غيرهم من المسلمين ، كما يرى الليث بن سعد ، فقيه مصر ، هذا الاجماع ، لا أثر له عند الشيعة. وآراء الفقهاء عندهم ، قلت او كثرت ، لا تكون دليلا على الحكم ، لأنها لا تفيد إلا الظن. وفيه يقول الله سبحانه : (إِنَّ الظَّنَّ لا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئاً.) وليس في الآثار التي رواها انصار الاجماع عن الرسول ، ولا في الكتاب ، ما يصلح لأن يكون دليلا على اعتبار الظن ، الذي يحصل من أقوال الجماعة في أمر من الأمور ، قلت او كثرت.
وقد ورد الاجماع على لسان الفقهاء والمحدثين من الشيعة ، في العصور المتأخرة عن عصر الصحابة وتابعي التابعين بل وحتى عن عصر الأئمة عليهمالسلام. ويعنون به اتفاق جميع العلماء على الحكم ، بنحو يكون الامام (ع) معهم ، فحيث يعتبرونه من أصول الأحكام ، ذلك