امر بآخر لمجرد المشابهة والمماثلة ، كما جاء في هذه الوثيقة ، هو آخر مرحلة وصل اليها المتطرفون في العمل بالقياس. ولم يعهد ذلك في حياة الرسول ، ولا عن أحد من الصحابة قبله. ويبدو انه كان مستقلا في تفكيره وجازما في اموره ، اذا رأى المصلحة في شيء اقدم عليه ، وان خالف نصوص القرآن والسنة. فقد منع اعطاء المؤلفة قلوبهم من الزكاة. وهذا مفروض بنص القرآن الكريم كما جاء في الآية ٦١ من سورة النور : (إِنَّمَا الصَّدَقاتُ لِلْفُقَراءِ وَالْمَساكِينِ وَالْعامِلِينَ عَلَيْها وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقابِ وَالْغارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللهِ وَابْنِ السَّبِيلِ.)
وقد جاء عيينة بن حصن والأقرع بن حابس ، الى أبي بكر في خلافته فقالا : يا خليفة رسول الله ، ان عندنا ارضا سبخة ، ليس فيها كلأ ولا ماء ، فان رأيت ان تعطيناها ، فاقطعهما اياها وكتب لهما بها كتابا واشهد عليه ، فانطلقا الى عمر ، فلما سمع بما في الكتاب تناوله من ايديهما ، ثم تفل فيه ومحاه ، وقال ان رسول الله كان يتألفكما ، والاسلام قليل ضعيف (١).
ولما فتح المسلمون ارض العراق بالسيف ، ابقاها بيد اهلها وفرض عليهم حصة من الناتج ، واحتج بأنها لو قسمت على الفاتحين ، لم يبق للدولة من الموارد ما يكفيها لشؤون الجيش والعمران والتعليم ، وغير ذلك من المهمات ، وبقيت ملكا لهم ولأبنائهم من بعدهم ، فتنهار ميزانية الدولة ، لأنها تقوم على الفتوحات والغزو. مع أن النصوص الاسلامية تقضي بأن تكون غنيمة من الغنائم ، يأخذ الامام منها
__________________
(١) شرح النهج لابن ابي الحديد المجلد الثالث ص ١٠٨ والنص والاجتهاد للسيد عبد الحسين شرف الدين ، عن العسقلاني في أحاديثه.